يُروى عن آحاد الصحابة أن فلانًا له صحبة مثلًا، وكذا عن آحاد التابعين، بناءً على قبول التزكية من واحد، وهو الراجح، ثم بأن يقول هو: أنا صحابيّ، إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة.
أما الشرط الأول: وهو: العدالة، فجزم به الآمديّ وغيره؛ لأن قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابيّ، أو ما يقوم مقام ذلك يلزم من قبول قوله إثبات عدالته؛ لأن الصحابة كلهم عدولٌ، فيصير بمنزلة قول القائل: أنا عَدْلٌ، وذلك لا يُقبل.
وأما الشرط الثاني: وهو: المعاصرة، فيُعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره لأصحابه:"أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" متّفقٌ عليه، زاد مسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موته بشهر، ولفظه: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بشهر:"تسألوني عن الساعة، وإنما عِلْمها عند الله، وأُقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة، وهي حيّة يومئذ".
ولهذه النكتة لم يُصدّق الأئمة أحدًا ادّعى الصحبة بعد الغاية المذكورة، وقد ادّعاها جماعة، فكُذّبوا، وكان آخرهم رَتَنَ الهنديّ.
ثم من لم يُعرف حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمديّ السابق ومن تبعه ألا تثبت صحبته، ونقل أبو الحسن ابن القطّان فيه الخلاف، ورجّح عدم الثبوت، وأما ابن عبد البرّ فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته من الجَرح، وقوّى ذلك بتصرّف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم، ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عمن مضى.
ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعيّ: أخبرني فلان أنه سمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول، سواء سمّاه أم لا، أما إذا قال: أخبرني رجل مثلًا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بكذا، فثبوت الصحبة بذلك بعيد؛ لاحتمال الإرسال، ويَحْتَمِل التفرقة بين أن يكون القائل من كبار التابعين، فيُرجّح القبول، أو صغارهم فيرجّح الرّدّ، ومع ذلك فلم يتوقّف من صنّف في الصحابة في إخراج من هذا سبيله في كُتُبهم، والله تعالى أعلم.