[ضابط]: يستفاد من معرفته صحبة جَمْع كثير يُكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار:
أحدها: أنهم كانوا لا يؤمِّرون في المغازي إلا الصحابة، فمن تتبع الأخبار الواردة في الردّة والفتوح وجد من ذلك الكثير.
ثانيها: أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود، إلا أتى به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فدعا له، وهذا أيضًا يوجد منه الكثير.
ثالثها: أنه لم يبق بالمدينة، ولا بمكة، ولا الطائف، ولا بينهما من الأعراب إلا من أسلم، وشَهِد حجة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجودًا اندرج فيهم؛ لحصول رؤيتهم للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يرهم هو، والله أعلم (١).
(المسألة الثالثة): في بيان حال الصحابة -رضي الله عنهم- من العدالة:
اتّفق أهل السُّنَّة على أن الصحابة -رضي الله عنهم- عدولٌ كلّهم مطلقًا، كبيرهم، وصغيرهم، لابَسَ الفتنة أم لا؛ وجوبًا لحسن الظنّ، ونظرًا إلى ما تمهّد لهم من المآثر، من امتثال أوامره -صلى الله عليه وسلم- بعده، وفَتْحهم الأقاليم، وتبليغهم عنه الكتاب والسُّنَّة، وهدايتهم الناس، ومواظبتهم على الصلاة والزكاة، وأنواع القربات، مع الشجاعة، والبراعة، والكرم، والإيثار، والأخلاق الحميدة التي لم يكن في أمة من الأمم المتقدمة.
وقد عقد الخطيب البغداديّ -رحمه الله- في "الكفاية" فصلًا نفيسًا في ذلك، فقال: عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠]، وقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣]، وقوله:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح: ١٨]، وقوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[التوبة: ١٠٠]، وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)} [الأنفال: ٦٤]، وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)}