للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء، كما ثبت في حديث أبي سعيد الماضي (١).

وقال الإمام أحمد بعد ذِكر العَشرة، والمهاجرين، والأنصار: ثم أفضلُ الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرن الذي بُعِث فيهم كلُّ من صَحِبه سنةً، أو شهرًا، أو يومًا، أو ساعةً، أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صَحِبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه، ونظر إليه نظرةً، فأدناهم صحبةً هو أفضل من القَرْن الذين لم يروه، ولو لَقُوا الله بجميع الأعمال، كان هؤلاء الذين صحبوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ورأوه، وسمعوا منه، وآمنوا به، ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين، ولو عملوا كل أعمال الخير.

وبالجملة فما قاله المازريّ منتقَد، بل كل ما عدا المذهب الأول القائل بالتعميم باطلٌ، والأول هو الصحيح، بل الصواب المعتبَر، وعليه الجمهور، كما قال الآمديّ، وابن الحاجب؛ يعني: من السلف والخلف، زاد الآمديّ: وهو المختار، وحَكَى ابن عبد البرّ في "الاستيعاب" إجماع أهل الحقّ من المسلمين، وهم أهل السُّنَّة والجماعة عليه، سواء من لم يُلابِس الفتن منهم، أو لابَسَها، إحسانًا للظنّ بهم، وحَمْلًا لهم في ذلك على الاجتهاد، فتلك أمور مبناها عليه، وكل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد، والمخطئ معذور، بل مأجور.

قال ابن الأنباريّ: وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلّف بحثٍ عن أسباب العدالة، وطلب التزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك -ولله الحمد- فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصحّ، وما صحّ فله تأويل صحيح.

وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: تلك دماء طهّر الله منها سيوفنا، فلا تخضب بها ألسنتنا.


(١) أي حديث: "لا تسبّوا أصحابي. . .".