ولا عبرة بردّ بعض الحنفية روايات أبي هريرة -رضي الله عنه-، وتعليلهم بأنه ليس بفقيه، فقد عَمِلوا برأيه في الغسل ثلاثًا من ولوغ الكلب، وغيره، وولاه عمر -رضي الله عنهما- الولايات الجسيمة، وقال ابن عباس له، كما في "مسند الشافعيّ"، وقد سئل عن مسألة: أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك معضلة، فأفتى، ووافقه على فتياه.
وقد حَكَى ابن النجار في "ذيله" عن الشيخ أبي إسحاق أنه سمع القاضي أبا الطيب الطبريّ يقول: كنا في حلقة النظرِ بجامع المنصور، فجاء شابّ خُراسانيّ حنفيّ، فطالب بالدليل في مسألة المصرّاة، فأورد المدرّس عن أبي هريرة، فقال الشابّ: إنه غير مقبول الرواية، قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب عنها، فتبعته دون غيره، فقيل له: تُبْ، فقال: تبت، فغابت الحية، ولم يُرَ لها بعدُ أثرٌ، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في بيان المكثرين من الصحابة -رضي الله عنهم- روايةً، وإفتاءً:
(اعلم): أن المكثرين منهم. رواية كما قاله أحمد، فيما نقله ابن كثير وغيره الذين زاد حديثهم على ألف، ستةٌ: وهم أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وأم المؤمنين عائشة، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وهو أكثرهم، كما قاله سعيد بن أبي الحسن، وابن حنبل، وتبعهما ابن الصلاح.
وقد روى بَقِيّ بن مَخْلَد في "مسنده" لأبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين، ولابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين، ولأنس ألفين ومائتين وستة وثمانين، ولعائشة ألفين ومائتين وعشرة، ولابن عباس ألفًا وستمائة وستين، ولجابر ألفًا وخمسمائة وأربعين، ولأبي سعيد ألفًا ومائة وسبعين، وقد نَظَمه البرهان الحلبيّ.
وقد أدرج ابن كثير في المُكْثِرين ابنَ مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، قال السخاويّ: ولم يبلغ حديث واحد منهما عند بقيّ ألفًا؛ إذ حديث أوّلهما عنده ثمان مائة وثمانية وأربعون، وثانيهما سبعمائة.