مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَاب)؛ يعني: عليًّا -رضي الله عنه-، وأبو التراب كُنيته، وتقدّم أنه -صلى الله عليه وسلم- هو الذي كناه به، وأنه أَحب كنيته إليه.
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقول معاوية لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما -: "ما منعك أن تسبَّ أبا تراب" يدلّ على أن مقدَّم بني أميَّة كانوا يسبُّون عليًّا، وينتقصونه، وذلك كان منهم لِمَا وَقَرَ في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان، وأنه أسْلَمَه لمن قَتَله؛ بناءً منهم على أنه كان بالمدينة، وأنه كان متمكنًا من نُصرته، وكل ذلك ظنّ كذب، وتأويلٌ باطلٌ غطَّى التعصُّب منه وجه الصَّواب، وقد قدمنا: أن عليًّا -رضي الله عنه- أقسم بالله أنه ما قتله، ولا مالأ على قتله، ولا رضيه. ولم يقل أحد من النقلة قط، ولا سُمع من أحد أن عليًّا كان مع القتلة، ولا أنه دخل معهم الدَّار عليه، وأما تَرْك نُصرته؛ فعثمان -رضي الله عنه- أسلمَ نفسه، ومَنَع من نُصرته، كما ذكرناه في بابه.
ومِمَّا تشبَّثوا به: أنهم نسبوا عليًّا إلى تَرْك أخْذ القِصاص من قتلة عثمان، وإلى أنه مَنَعهم منهم، وأنَّه قام دونهم، وكل ذلك أقوال كاذبة أنتجت ظنونًا غير صائبة، ترتَّب عليها ذلك البلاء كما سبق به القضاء. انتهى (١).
وقال القرطبيّ أيضًا: وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي -رضي الله عنهما-، ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يَبْعد على معاوية أن يصرِّح بلعنه وسبِّه؛ لِمَا كان معاوية موصوفًا به من الفضل والدِّين، والحلم، وكرم الأخلاق، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا التراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسبّ، وإنَّما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولمّا سمع ذلك معاوية سكت، وأذعن، وعرف الحق لمستحقه، ولو سلّمنا: أن ذلك من معاوية حَمْل على السَّب، فإنَّه يَحْتمل أن يكون طلب منه أن يسبَّه بتقصير في اجتهاد في إسلام عثمان لقاتليه، أو في إقدامه على الحرب والقتال للمسلمين، وما أشبه ذلك مما يمكن أن يقصر بمثله من أهل الفضل، وأما التصريح باللعن، وركيك القول، كما قد