بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه -صلى الله عليه وسلم- يوصي الأمة بقيام الشكر، وقيّد تلك النعمة به، ويحذّرهم عن الكفران، فمن قام بالوصية، وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة، ومشاهدها حتى يردا الحوض فيشكرا صنيعه عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحينئذ هو بنفسه يكافئه، والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصية، وكفر النعمة، فحُكمه على العكس، وعلى هذا التأويل حَسُن موقع قوله:"فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، والنظر بمعنى التأمل والتفكر؛ أي: تأملوا، واستعملوا الرويّة في استخلافي إياكم، هل تكونون خَلَف صدق، أو خَلْفَ سوء؟ انتهى (١).
(فَقَالَ لَهُ)؛ أي: لزيد بن أرقم -رضي الله عنه-، (حُصَيْن)؛ أي: ابن سبرة، (وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ) -صلى الله عليه وسلم- الذين جعلهم قرين كتاب الله -عز وجل - في وجوب التمسّك بهم (يَا زيدُ؟ ألَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ) زيد (نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ) قال النوويّ: هو بضم الحاء، وتخفيف الراء، والمراد بالصدقة: الزكاة، وهي حرام عندنا علي بني هاشم، وبني المطلب، وقال مالك: بنو هاشم فقط، وقيل: بنو قصيّ، وقيل: قريش كلها.
وقوله في الرواية الأخرى:"فقلنا: مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ " قال: "لا"، هذا دليل لإبطال قول من قال: هم قريش كلها، فقد كان في نسائه قرشيات، وهنّ عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وسودة، وأم حبيبة -رضي الله عنهنّ -.
وأما قوله في الرواية الأخرى:"نساؤه مَنْ أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة"، قال: وفي الرواية الأخرى: "فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا"، فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال:"نساؤه لسن من أهل بيته"، فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه، وَيعُوْلهم، وأَمَر باحترامهم، وإكرامهم، وسمّاهم ثَقَلًا، ووعظ في حقوقهم، وذَكَّر فنساؤه داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حُرِم الصدقة، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله:"نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة"، فاتفقت