للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي الوالدين {فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] أي: بالمعروف والإحسان الدنيويّ، من الخُلُق الجميل، والحِلم، والاحتمال، والبرّ، والصلة.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله -: يقول تعالى آمرًا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحثّ على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق؛ ولهذا قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)} [الإسراء: ٢٣ - ٢٤].

ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما، في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} أي: وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصَبْرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا، فإن المرء إنما يُحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب، أي: حبًّا دينيًّا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)} [العنكبوت: ٩]. انتهى (١).

ثم أشار إلى الآية الثانية، فـ (قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- غَنِيمَةً عَظِيمَةً)، وذلك في غزوة بدر، (فَإِذَا فِيهَا سَيْف، فَأَخَذْتُهُ، فَأَتيْتُ بِهِ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي)؛ أي: أعطنيه زيادة على نصيبي من المغنم، (هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُ)؛ أي: من الشجاعة، وقَتْل المشركين، واستئصالهم، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ" أي: في الغنائم، والظاهر أنه لم يوحَ إليه بحِلّ الغنائم، فأمَرَه بالردّ حتى يتبيّن أمره. (فَانْطَلَقْتُ)؛ أي: ذهبت لأردّه، (حَتَّى إِذَا أَرَدْتُ أَنْ ألْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ) -بفتح القاف، والباء الموحّدة، والضاد المعجمة -: الموضع الذي يُجمع فيه الغنائم (٢). (لَامَتْنِي نَفْسِي)؛ أي: على ردّه، (فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ) -صلى الله عليه وسلم- (فَقُلْتُ: أَعْطِنِيه، قَالَ: فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ)؛ أي: رَفَعه أكثر من الأول


(١) "تفسير ابن كثير" ٦/ ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٨٧.