للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القَسْم عليه واجبًا على الخلاف المتقدّم، وليست القرعة في هذا واجبةً عند مالك؛ لأنَّه قد يكون -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبعض نساءه من الغَنَاء في السفر والمنفعة، والصلاحية ما لا يكون لغيرها، فتتعين الصالحة لذلك، ولأن من وقعت القرعة عليها لا تُجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة، وما أشبه ذلك، إنما القرعة بينهن من باب تحسين العشرة إذا أردن ذلك، وكن صالحات له، وقال أبو حنيفة بإيجاب القرعة في هذا، وهو أحد قولي الشافعيّ، ومالك، أخذًا بظاهر هذا الحديث. انتهى (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: القَسْم بين النساء واجب في حقّ غير النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففي وجوب القسم في حقه خلاف، فمن قال بوجوبه يجعل إقراعه واجبًا، ومن لم يوجبه يقول: فَعَل ذلك من حُسن العشرة، ومكارم الأخلاق، وتطييبًا لقلوبهنّ، وأما الحنفيون فقالوا: لا حقّ لهنّ في القَسْم حالة السفر، يسافر الزوج بمن شاء، والأَولى أن يقرع بينهنّ. وقال القرطبيّ: وليست أيضًا بواجبة عند مالك، وقال ابن القصّار: ليس له أن يسافر بمن شاء منهنّ بغير قرعة، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعيّ، وقال مالك مرةً: له أن يسافر بمن شاء منهنّ بغير قرعة.

وقال المهلَّب: وفيه العمل بالقرعة في المقاسمات، والاستهام، وفيه أن القَسْم يكون بالليل والنهار. انتهى (٢).

(فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ)؛ أي: في سفرة من السفرات (عَلَى عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ) ولفظ البخاريّ: "لعائشة وحفصة"، والمراد بقولها: "طارت"؛ أي: حصلت، وطَيْر كل إنسان: نصيبه، وفي حديث أم العلاء: لَمّا اقتسم الأنصار المهاجرين قالت: وطار لنا عثمان بن مظعون؛ أي: حصل في نصيبنا من المهاجرين، قاله في "الفتح".

وقال في "العمدة"؛ أي: حصلت القرعة لعائشة وحفصة -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وطير كل إنسان: نصيبه؛ يعني: كان هذا في سفرة من سفرات النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (٣).


(١) "المفهم" ٦/ ٣٢٩.
(٢) "عمدة القاري" ٢٠/ ١٩٧.
(٣) "عمدة القاري" ٢٠/ ١٩٧.