للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَخَرَجَتَا مَعَهُ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جَمِيعًا)؛ أي: معًا، (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ، يَتَحَدَّثُ مَعَهَا)؛ أي: مع عائشة -رضي الله عنها-، والجملة في محل النصب على الحال، والحاصل: أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا كان في هذه السفرة، وكانت عائشة وحفصة معه، فإذا كان الليل، وهم سائرون يسير مع عائشة، يتحدث معها، كما هي عادة المسافرين؛ لِقَطْع المسافة.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ظاهر الحديث أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يكن يَقسم بين عائشة وحفصة في المسير والحديث، وأن ذلك كان مع عائشة دائمًا دون حفصة، ولذلك تحيَّلت حفصة حتى سار وتحدَّث معها، فيَحْتَمِل أن هذا القَدْر لا يجب القَسْم فيه؛ إذ الطريق ليس محلَّ خَلْوة، ولا يحصل لها به اختصاص، ويَحْتَمِل أن يقال: إن القدر الذي يقع به التسامح من السير والحديث مع إحداهما هو الشيء اليسير، كما يفعل في الحَضَر، فإنَّه يتحدث ويسأل وينظر في مصلحة بيت التي لا يكون في يومها، ولكن لا يُكثر من ذلك، ولا يُطيله، وعلى هذا فيكون النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أدام ذلك؛ لأنَّ أصل القَسْم لَمْ يكن عليه واجبًا، والله أعلم.

ولم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر، وكذلك لا يختلفون في أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر. وقد ذكرنا الاحتمال الذي في السير والحديث. انتهى (١).

(فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ)؛ أي: في هذه الليلة، (بَعِيرِي، وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ؟ فَتَنْظُرِينَ) إلى ما لَمْ تكوني تنظرين، (وَأَنْظُرُ) إلى ما لم أنظر، وإنما حَمَل حفصة على ذلك الغيرة التي تورث الدهش والحيرة، وفيه إشعار أن عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- لم تكونا متقارنتين، بل كانت كل واحدة منهما في جهة. (قَالَتْ) عائشة: (بَلَى)؛ أي: فقالت عائشة لحفصة: بلى اركبي جملي، وانظري، وأنا أركب جملك، وأنظر.

قال في "الفتح": كأن عائشة أجابت إلى ذلك؛ لِمَا شوّقتها إليه من النظر


(١) "المفهم" ٦/ ٣٢٩ - ٣٣٠.