للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى ما لم تكن هي تنظر، وهذا مشعر بأنهما لم يكونا حال السير متقاربتين، بل كانت كل واحدة منهما من جهة، كما جرت العادة من السير قطارين، وإلا فلو كانتا معًا لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره الأخرى، ويَحْتَمِل أن تريد بالنظر وطأة البعير، وجودة سيره. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقول حفصة لعائشة -رضي الله عنهما-: "ألا تركبين بعيري، وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر" حيلة منها تمّت لها على عائشة لصغر سنِّ عائشة، وسلامة صدرها عن المكر والحيل؛ إذ لم تجرب الأمور بعدُ، ولا دَرْك على حفصة فيما فعلت من جهة أنها أخذت حقًّا هو لعائشة؛ لأنَّ السير والحديث؛ إن لم يدخل في القَسْم فهي وعائشة فيه سواء، فأرادت حفصة أن يكون لها حظ من الحديث والسير معه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن كان ذلك واجبًا فقد توصلت إلى ما كان لها، وإنَّما يكون عليها الدَرْك من حيث إنها خالفت مراد النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديثه، فقد يريد أن يحدِّث عائشة حديثًا يُسِرُّ به إليها، أو يختص بها، فتسمعه حفصة، وهذا لا يجوز بالاتفاق، لكن حَمَلها على اقتحام ذلك الغيرة التي تورث صاحبها الدَّهَشَ والْحَيْرة. انتهى (٢).

(فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ) بناءً على أنها على جملها، (وَ) الحال أنه (عَلَيْهِ) وفي رواية حكاها الكرمانيّ: "وعليها" وكأنه على إرادة الناقة (٣). (حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ)؛ أي: على حفصة، ولم يُذكَر في الخبر أنه تحدث معها، فيَحْتَمِل أن يكون أُلْهِم ما وقع، ويَحْتَمِل أن يكون وقع ذلك اتفاقًا، ويَحْتَمِل أن يكون تحدث، ولم يُنقَل (٤)، (ثُمَّ صَارَ مَعَهَا)؛ أي: مع حفصة، (حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَغَارَتْ)؛ أي: افتقدت عائشة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أي: في حالة المسايرة، فبسبب ذلك غارت؛ لأن قطع المألوف صعبٌ، (فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا) وفي بعض النسخ: "رجليها"، (بَيْنَ الإِذْخِرِ)؛ أي: جعلت عائشة -رضي الله عنها- رجليها بين الإذخر، وهو نبت معروف، توجد فيه الهوامّ غالبًا


(١) "الفتح" ١١/ ٦٥٣.
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٣٠.
(٣) "الفتح" ١١/ ٦٥٣.
(٤) "الفتح" ١١/ ٦٥٣.