للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في البرية، وإنما فعلت هذا؛ لِمَا عَرَفت أنها الجانية فيما أجابت إليه حفصة، وأرادت أن تعاقب نفسها على تلك الجناية، (وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ) وفي رواية: "ربّ سلّط" بحذف "يا"، (عَلَيَّ عَقْرَبًا، أَو حَيَّةً) "أو" هنا للتنويع، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا دعاءٌ منها على نفسها بعقوبة لِمَا لحقها من النَّدم على ما فعلت، ولِمَا تم عليها من الحيلة، ولِمَا حصل لها من الغَيْرة، وهو دعاء باللسان غير مراد بالقلب. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "غير مراد بالقلب" محلّ نظر، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم. (تَلْدَغُنِي) بالِغين المعجمة، يقال: لَدَغَتْهُ العقرب -بِالغين معجمة- لَدْغًا، من باب نفع: لسعته، ولَدَغَتْهُ، الحية لَدْغًا: عضّته، فهو لَدِيغٌ، والمرأة لَدِيغٌ أيضًا، والجمع لَدْغَي، مثل جريح وجرحي، ويتعدى بالهمزة إلى مفعول ثان، فيقال: أَلدَغْتُهُ العقربَ: إذا أرسلتها عليه، فَلَدَغَتْهُ، قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

وقال في "التاج": لدَغَتْهُ العَقْرَبُ، والحَيَّةُ، كمَنَعَ تَلْدَغُ لَدْغًا، وقيلَ: اللَّدْغُ بالفَمِ، واللَّسْعُ بالذَّنَبِ، وقالَ الليثُ: اللَّدْغُ بالنّابِ، وفي بَعْضِ اللُّغاتِ: تَلْدَغُ العَقْرَبُ.

وقال محمد بن الطيب الفاسيّ: واللَّدْغُ للحَارّاتِ كالنّارِ، ونَحْوِها، ومَن جَوَّزَ إعْجَامَ الذّالِ مع الغَيْنِ المُعْجَمَةِ في مَعْنَاهُ فقدْ وَهِمَ؛ لِمَا عُلِمَ أنَّ الذّالَ والغَيْنَ المُعْجَمَتَيْنِ لا يَجْتَمِعانِ في كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ. انتهى.

وقالَ أبو وَجْزَةَ: اللَّدْغَةُ جامِعَةٌ لِكُلِّ هامَّةٍ تَلْدَغُ لَدْغًا وتَلْدَاغًا، بفَتْحِهِمَا، فهُوَ مَلْدُوغٌ، ولَدِيغٌ. انتهى (٣).

(رَسُولُكَ) بالرفع خبر لمحذوف؛ أي: هذا رسولك، ويَحْتَمل النصب مفعولًا لفعل مقدَّر؛ أي: أخاف رسولك. (وَلَا أسْتَطِيعُ أنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ظاهره أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعرف القصة؛ وإنَّما تمَّت لحفصة حيلتها عليها، والله أعلم، مع أنه يَحْتَمِل أن يكون النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِم ذلك بالوحي، أو


(١) "المفهم" ٦/ ٣٣١.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٥١ - ٥٥٢.
(٣) "تاج العروس" ١/ ٥٦٩٢.