للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حينئذ عماد القَسْم السَّيْر، أما المسايرة فلا، وهذا كله مبني على أن القَسْم كان واجبًا على النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو الذي يدل عليه معظم الأخبار (١)، ويؤيد القول بالقرعة أنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة، بل يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل، فلو سافر بمن شاء بغير قرعة، فقدّم بعضهن في القَسْم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلفت حقها، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن ذلك لا يجب، فظهر أن للقرعة فائدةً، وهي أن لا يُؤْثِر بعضهن بالتشهي؛ لِمَا يترتب على ذلك من ترك العدل بينهنّ، وقد قال الشافعيّ في القديم: لو كان المسافر يَقسم لمن خلف لَمَا كان للقرعة معنى، بل معناها أن تصير هذه الأيام لمن خرج سهمها خالصة. انتهى.

قال الحافظ: ولا يخفى أن محل الإطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام اسم السفر موجودًا، فلو سافر إلى بلدة، فأقام بها زمانًا طويلًا، ثم سافر راجعًا، فعليه قضاء مدة الإقامة، وفي مدة الرجوع خلاف عند الشافعية، والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت، وفازت بالصحبة لَحِقَها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك، والمقيمة عَكْسها في الأمرين معًا. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [١٣/ ٦٢٧٨] (٢٤٤٥)، و (البخاريّ) في "النكاح" (٥٢١١)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (٥/ ٣٠٠)، و (أحمد) في "مسنده" (٦/ ١١٤)، و (الدارميّ) في "سننه" (٢/ ٢٧٧)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (٣/ ١٣٧)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٧/ ٣٠٢)، والله تعالى أعلم.


(١) قال الجامع عفا الله عنه: قد أسلفت غير مرّة أن الصحيح أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يجب عليه القَسْم؛ لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآية [الأحزاب: ٥١]، وأما الأحاديث التي تدلّ على القَسْم فمحمولة على أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ترك القَسْم؛ لكريم أخلاقه، وحُسن عشرته، والله تعالى أعلم.
(٢) "الفتح" ٩/ ٣١٢.