عائشة:"فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عن ذلك، فقالت: ما كنت لأُفشي سرّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تُوُفّي النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسألتها، فقالت: أسرّ إليّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كلَّ سنة مرّة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلَّا حَضَر أجلي، وأنك أول أهل بيتي لحوقًا بي"، وقولها:"كأن مشيتها" هو بكسر الميم؛ لأنَّ المراد الهيئة، وقولها:"ما رأيت كاليوم فرحًا"، تقديره: ما رأيت كفرح اليوم فرحًا، أو ما رأيت فرحًا كفرح رأيته اليومَ، وقولها:"حتى تُوُفّي" متعلق بمحذوف، تقديره: فلم تقل لي شيئًا حتى تُوُفّي، وقد طَوَى عروة هذا كله، فقال في روايته بعد قوله:"فضحكت، فسألناها عن ذلك، فقالت: سارّني أنه يُقبض في وجعه الذي تُوُفّي فيه. . ." الحديث.
وفي رواية عائشة بنت طلحة من الزيادة:"أن عائشة لمّا رأت بكاءها وضحكها قالت: إن كنت لأظنّ أن هذه المرأة أعقل النساء، فإذا هي من النساء". ويَحْتَمِل تعدد القصة، ويؤيده الجزم في رواية عروة بأنه ميت من وجعه ذلك، بخلاف رواية مسروق، ففيها أنه ظنّ ذلك بطريق الاستنباط، مما ذكره من معارضة القرآن.
وقد يقال: لا منافاة بين الخبرين إلَّا بالزيادة، ولا يمتنع أن يكون إخباره بأنها أول أهله لحوقًا به سببًا لبكائها، أو ضحكها معًا باعتبارين، فذكر كل من الراويين ما لَمْ يذكره الآخر. وقد روى النسائيّ من طريق أبي سلمة، عن عائشة في سبب البكاء أنه ميت، وفي سبب الضحك الأمرين الآخرين.
ولابن سعد من رواية أبي سلمة عنها أن سبب البكاء موته، وسبب الضحك أنَّها سيدة النساء.
وفي رواية عائشة بنت طلحة عنها أن سبب البكاء موته، وسبب الضحك لحاقها به.
وعند الطبريّ من وجه آخر عن عائشة؛ أنه قال لفاطمة:"إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذريّة منك، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرًا". انتهى (١).
(١) "الفتح" ٩/ ٥٩٦ - ٥٩٧، كتاب "المغازي" رقم (٤٤٣٣).