للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا) بتشديد الحاء المهملة، من الترحيب؛ أي: قال لها: مرحبًا. (فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي") قال الأصمعي: معنى قوله: "مرحبًا": لَقِيت رُحبًا وسعةً، وقال الفرّاء: نُصِب على المصدر، وفيه معنى الدعاء بالرُّحب والسعة، وقيل: هو مفعول به؛ أي: لقيت سعةً، لا ضِيقًا (١).

وقال القاضي في "المشارق": "مَرْحبًا" منونًا كلمة تقال عند المبرة للقادم الوافد، ولمن يُلْقَي، ويجتمع به بعد مغيب، ومعناها: صادفت رُحْبًا؛ أي: سعةً، نُصبت على المفعول، وقيل: على المصدر؛ أي: رحّب الله بك مرحبًا، وُضع موضع الترحيب، وهو مذهب الفراء. انتهى (٢).

(ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِه، أَو عَنْ شِمَالِهِ) شكّ من الراوي، (ثُمَّ سَارَّهَا) بتشديد الراء، وأصله: ساررها؛ أي: تكلّم معها سِرًّا، (فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَضَحِكَتْ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا كان لمّا اشتدَّ مرضُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومُرِّض في بيت عائشة - رضي الله عنها -، قال: وبكاء فاطمة - رضي الله عنها - في أول مرَّة كان حزنًا على النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا أعلمها بقرب أجله، وضحكها ثانية فرحًا بما بشَّرها به من السلامة من هذه الدار، ولقرب الاجتماع به، وبالفوز بما لها عند الله من الكرامة، وكفى بذلك أن قال لها: "إنها سيدة نساء أهل الجَنَّة". انتهى (٣).

قالت عائشة: (فَقُلْتُ لَهَا)؛ أي: لفاطمة، (خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ) بالكسر: المُسارّة؛ أي: الكلام بالسّرّ، (ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلْتُهَا: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِي) بضم الهمزة، من الإفشاء، وهو الإظهار والنشر، (عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِرَّهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّي) بالبناء للمفعول، (رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ)؛ أي: أقسمت عليك (بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ)؛ أي: حيث إنها أمها زوجة أبيها، (لَمَّا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) "لَمّا" بفتح اللام، وتشديد الميم هي هنا بمعنى إلَّا، حرف استثناء، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو: قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا


(١) "الفتح" ١٤/ ٤٧، كتاب "الأدب" رقم (٦١٧٦).
(٢) "مشارق الأنوار" ١/ ٢٨٥.
(٣) "المفهم" ٦/ ٣٥٥ - ٣٥٧.