للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"نتحدّث عنده"، (فَذَكَرْنَا يَوْمًا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ) -رضي الله عنه - (فَقَالَ) عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما -: (لَقَدْ ذَكَرْتُمْ رَجُلًا)؛ يعني: ابن مسعود، (لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -) ثم بيّن الشيء الذي سمعه منه - صلى الله عليه وسلم -، بقوله: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ) جملة "سمعت … إلخ" مستأنَفة استئنافًا بيانيًّا، وهو ما وقع جوابًا عن سؤال مقدّر، فكأنهم قالوا له: ماذا سمعت؟، فأجابهم بقوله: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: ("خُذُوا الْقُرْآنَ)؛ أي: تعلّموه (مِنْ أَرْبَعَةٍ) قال العلماء: سببه أن هؤلاء أكثر ضبطًا لألفاظه، وأتقن لأدائه، وإن كان غيرهم أفقه في معانيه منهم، أو لأن هؤلاء الأربعة تفرّغوا لِأخذه منه - صلى الله عليه وسلم - مشافهةً، وغيرهم اقتصروا على أَخْذ بعضهم من بعض، أو لأن هؤلاء تفرغوا لَأَن يؤخذ عنهم، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - مِن تقدّم هؤلاء الأربعة، وتمكّنهم، وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك، فليؤخذ عنهم، ذَكَره النوويّ -رحمه الله - (١).

وقال الكرمانيّ: يَحْتَمِل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد الإعلام بما يكون بعده؛ أي: أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك.

وتُعُقّب بأنهم لم ينفردوا، بل الذين مَهَروا في تجويد القرآن بعد العصر النبويّ أضعاف المذكورين، وقد قُتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم - في وقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أُبَيّ، وابن مسعود في خلافة عثمان، وقد تأخر زيد بن ثابت، وانتهت إليه الرياسة في القراءة، وعاش بعدهم زمانًا طويلًا، فالظاهر أنه أَمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صَدَر فيه ذلك القول، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن، بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه، وأَزْيد منهم جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم -، وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قُتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم: القراء، وكانوا سبعين رجلًا، قاله في "الفتح" (٢).

وقوله: (مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) بدل من الجارّ والمجرور، وهو عبد الله بن مسعود، نُسب لأمه؛ لكونها أسلمت، فأحرزت الفضل، بخلاف أبيه، فقد مات


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٧ - ١٨.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٨.