الجمع بين حديث أنس -رضي الله عنه - هذا وبين الأحاديث الأخرى التي تدلّ على أن الذين جمعوا القرآن أكثر من الأربعة المذكورين هنا -إن شاء الله تعالى -.
(مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) تقدّمت ترجمتهما في الباب الماضي. (وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتِ) بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجّار الأنصاريّ الخزرجيّ، أبو سعيد، وقيل: أبو ثابت، وقيل غير ذلك في كنيته، استُصغر يوم بدر، ويقال: إنه شهد أُحُدًا، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكانت معه راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أوّلًا مع عمارة بن حزم، فأخذها النبيّ -صلى الله عليه وسلم - منه، فدفعها لزيد بن ثابت، فقال:"يا رسول الله بلغك عني شيء؟ قال: لا، ولكن القرآن مقدَّم"، وكتب الوحي للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأمه النوار بنت مالك بن معاوية بن عديّ، وقُتل أبوه يوم بُعاث، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر، ثبت ذلك في "الصحيح"، وقال له أبو بكر: إنك شابّ عاقلٌ لا نتهمك، وروى البخاريّ تعليقًا، والبغوي، وأبو يعلى موصولًا عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: أُتي بي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْدمَه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورةً، فقرأت عليه، فأعجبه ذلك، فقال: تعلَّم كتاب يهود، فإني ما آمنهم على كتابي، ففعلت، فما مضى لي نصف شهر حتى حَذِقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له. وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن الشعبيّ قال: ذهب زيد بن ثابت ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال: تنحّ يا ابن عم رسول الله، قال: لا، هكذا نفعل بالعلماء والكبراء. وعن أنس قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم -: "أفرضكم زيد"، رواه أحمد بإسناد صحيح، وقيل: إنه معلول، وروى ابن سعد بإسناد صحيح قال: كان زيد بن ثابت أحد أصحاب الفتوى، وهم ستة: عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأُبَيّ، وأبو موسى، وزيد بن ثابت.
مات زيد سنة اثنتين، أو ثلاث، أو خمس وأربعين، وقيل: سنة إحدى، أو اثنتين، أو خمس وخمسين، وفي خمس وأربعين قول الأكثر، وقال أبو هريرة حين مات: اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا، ولمّا مات رثاه حسان بقوله [من الطويل]: