للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن تكون نسبة هذه الأقوال إليه صارت مشهورةً بين الناس بما يصعب ردّها، وتأثّرت عائشة -رضي الله عنها- بهذه الشهرة، وقد نسب بعضهم إليه أبياتًا تدلّ على أنه كان من جملة القاذفين، وهي:

لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ … وَحَمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ

تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْب زَوْجَ نَبِيِّهِمْ … وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيم فَأَتْرَحُوا

لكن ذكر السهيليّ في "الروض الأنف" (٤/ ٢٤) أن البيت الأَول من هذه الأبيات يروى على خلاف هذا، وهو:

لَقَدْ ذَاقَ عَبْدُ اللهِ مَا كَانَ أَهْلَهُ … وَحَمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ

وعلى هذا الأساس مال السهيليّ -رحمه الله- إلى أن حسّان -رضي الله عنه- لم يخُض في قذف عائشة -رضي الله عنها-والله -سبحانه وتعالى- أعلم- ولو ثبت منه القذف، فإنه تاب من ذلك توبةً نصوحًا، فلا ملامة عليه بعد ذلك. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما مال إليه السهيليّ -رحمه الله-، من تبرئة حسّان -رضي الله عنه- من القذف المذكور هو الصواب؛ لأن كلامه في قصيدته المذكورة صريح في ذلك، وبعد إنكاره فلا مجال لإلصاق ذلك به، وأما تأثّر عائشة -رضي الله عنها- فيكون مما اشتهر على ألسنة الناس مِنْ قَذْفه لها، فتأمل بالإمعان، تَسْلَم من الخذلان، والله تعالى المستعان.

(قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا)؛ أي: لعائشة -رضي الله عنها-: (لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ)؛ أي: لحسّان (يَدْخُلُ عَلَيْكِ) جملة في محلّ نصب على الحال، ولفظ البخاريّ: "لِمَ تأذنين له أن يدخل عليك"، فـ "أن" فيه مصدريّة، ويَحتمل ما هنا أن يكون بتقديرها أيضًا، وقوله: (وَقَدْ قَالَ اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ١١]) جملة في محلّ نصب على الحال، وفي رواية: "تَدَعين مثل هذا يدخل عليك، وقد أنزل الله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} "، قال في "الفتح": وهذا مُشْكِل؛ لأن ظاهره أن المراد بقوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} هو حسان بن ثابت، وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أُبَيّ، وهو المعتمَد، وقد وقع في رواية أبي حذيفة، عن سفيان الثوريّ، عند أبي نعيم


(١) "تكملة فتح الملهم" ٥/ ٢٤٤ - ٢٤٥.