يُنَازِعنَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ … على أَكْتَافِها الأَسَلُ الظِّمَاءُ
الضمير في "تروها" عائد على الخيل، وإن لم يَجْرِ لها ذِكْر، لكنها تفسِّرها الحال والمشاهدة، وتثير: تحرِّك. والنقع: الغبار، وكداء: الثنية التي بأعلى مكة، وكُدَى -بضم الكاف والقصر-: تثنية بأسفل مكة، وقد تقدَّم ذِكرهما. وينازعن: يجاذبن. والأسل: الرِّماح. والظماء: العطاش. ووصف الرماح بذلك؛ لأنَّ حامليها يريدون أن يطعنوا أعداءهم بها فيُرووها من دمائهم. ومُصعِدات: مرتفعات، ومصغيات: مائلات.
الجياد: الخيل. متمطرات؛ يعني: بالعرق من الجري، والرواية المشهورة: يلطمهن: من اللطم، وهو: الضرب في الخدّ، ويعني: أن هذه الخيل لكرمهن في أنفسهن، ولعزَّتهن عليهم تبادر النساء فيمسحن وجوه هذه الخيل بالخُمُر. وكان الخليل يروي هذا اللفظ: يطلمهن بتقديم الطاء على اللام، ويجعله بمعنى ينفض، وقال ابن دريد: الطلم: ضربك خبز الْمَلّة بيدك لينتفض ما به من الرماد. ورواية مسلم لهذا الحديث:"ثَكِلَتْ بُنَيتي" بدل "عدمنا خيلنا". والثكل: فَقْد الولد. وبُنيّتي: تصغير بنت. ومعنى صدر هذا البيت على الروايتين: الدعاء على نفسه إن لم يغز قريشًا. ووقع أيضًا لبعض رواة مسلم: موعدها كداء، ولبعضهم:"غايتها" بدل "موعدها". والمعنى متقارب. ووقع في بعض النُّسخ مكان "موعدها": "من كنفي كداء" على الإقواء، وليس بشيء؛ إذ لا ضرورة تُحْوج إليه مع صحَّة الروايات المتقدِّمة، وكنفا كداء: جانباها.
هذا يدل على أن حسان قال هذه القصيدة قبل يوم الفتح كما قال ابن هشام. وظاهره أن ذلك كان في عُمرة الحديبية حين صدّوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البيت، وقال ابن إسحاق: إن حسان قالها في فتح مكة، وفيه بُعدٌ.
هذا من باب إلهام الَعالم؛ لأنَّ حسان قد علم أن الله قد أعز نبيَّه -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨]،