[الوجه الثاني]: أن عمل الآخرة ذكرٌ ودعاءٌ، قال الله تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} الآية [يونس: ١٠].
[الوجه الثالث]: أن تكون هذه رؤية منام ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء، كما قال في رواية ابن عمر - رضي الله عنهما -: "بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة … "، وذكر الحديث في قصة عيسى - صلى الله عليه وسلم -.
[الوجه الرابع]: أنه - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومُثِّلُوا له في حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجُّهم وتلبيتهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى عيسى، وكأني أنظر إلى يونس عليهم السلام".
[الوجه الخامس]: أن يكون أَخْبَر عما أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - من أمرهم، وما كان منهم، وإن لم يرَهم رؤية عين. انتهى كلام القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ بزيادة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وعندي أن الجواب الأول هو الأرجح؛ لأن معظم الروايات واضحة فيه، والروايات التي تدلّ على أنه وقع له منامًا لا تنافي هذا، فإنه لا يمتنع أن يقع له ذلك في الحالتين في اليقظة والمنام، فتأمل.
وممّا يوضّح ما قلته، ويقوّي ما رجّحته ما حقّقه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقيّ رَحِمَهُ اللهُ في كتابه النافع، فقد جمع رَحِمَهُ اللهُ كتابًا لطيفًا في حياة الأنبياء في قبورهم، أورد فيه حديث أنس:"الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلُّون"، أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير، وهو من رجال الصحيح، عن المستلم بن سعيد، وقد وثقه أحمد وابن حبان، عن الحجَّاج الأسود، وهو ابن أبي زياد البصريّ، وقد وثقه أحمد وابن معين، عن ثابت، عنه، وأخرجه أيضًا أبو يعلى في "مسنده" من هذا الوجه، وأخرجه البزّار، لكن وقع عنده عن حجاج الصوّاف، وهو وَهَمٌ، والصواب الحجَّاج الأسود، كما وقع التصريح به في رواية البيهقيّ، وصححه البيهقيّ.
وأخرجه أيضًا من طريق الحسن بن قتيبة، عن المستلم، وكذلك أخرجه البزّار وابن عديّ، والحسن بن قتيبة ضعيف.
وأخرجه البيهقيّ أيضًا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أحد فقهاء الكوفة، عن ثابت بلفظ آخر، قال: "إن الأنبياء لا يُترَكون في