للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ردَّه لحرمانه وشقوته، ولمّا عَرَض ذلك على من عَرَف قَدْره بادر إليه وقَبِله، فنال من البشارة الخير الأكبر، والحظَّ الأوفر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. انتهى (١).

(فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِيُّ: أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ "أَبْشِرْ) قال القاضي عياض -رحمه الله-: قول الأعرابيّ هذا قول من لم يتمكّن الإيمان من قلبه، ممن كان يستألفه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أشراف العرب، يستألف بهم قومهم وأمثالهم، وقد جاء أنه من بني تميم، وهو -والله أعلم- من الذين نادوه من وراء الحجرات وأمثالهم، وقد قال الله تعالى في حقّهم: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: ٤]، ولو صدر مثل هذا الكلام من مسلم لكان قوله هذا كفرًا، وردّةً؛ لأن فيه تهمة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، واستخفافًا بصدق قوله ووعده. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قول الأعرابيّ هذا قول جِلْف جاهل بحال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وبقَدْر البشرى التي بشَّره بها النبيّ لو قبلها، لكنها عُرضت عليه فحُرمها، وقُضِيَت لغيره فقَبِلها.

والبشرى: خبر بما يَسُرّ، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تُظهر السُّرور في بشرة المبشَّر، وأصله في الخير، وقد يقال في الشرّ توسُّعًا، كما قال الله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤)} [التوبة: ٣٤]، وفيه ثلاث لغات: أبشر -رباعيًّا- فتقول: أبشرته أُبشره إبشارًا، ومنه: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فُصّلت: ٣٠]، وبشَّر -مشددًا- يُبشِّر تبشيرًا، ومنه قوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزمر: ١٧، ١٨]، والثالثة: بَشَرْتُ الرجل -ثلاثيًّا، مفتوح العين- أَبشُره بالضم بُشرًا بالسكون وبُشُورًا، والاسم: البشارة -بكسر الباء، وضمّها-، والبشرى: تقتضي مُبَشَّرًا به، فإذا ذُكر تعيَّن، وإذا سُكت عنه، صلح أن يراد به العموم. انتهى (٣).

(فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ) -رضي الله عنهما- (كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا)؛ يعني: الأعرابيّ، (قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا) تأكيد للفاعل،


(١) "المفهم" ٦/ ٤٤٧.
(٢) "إكمال المعلم" ٧/ ٥٤٨.
(٣) "المفهم" ٦/ ٤٤٧.