للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبُو عَامِرٍ) -رضي الله عنه- (إِلَى أَبِي مُوسَى) -رضي الله عنه- (فَقَالَ: إِنَّ ذَاكَ) مشيرًا إلى رجل، (قَاتِلِي)، وقوله: (تَرَاهُ) بتقدير همز الاستفهام؛ أي: أتراه؟ وقوله: (ذَلِكَ الَّذِي رَمَانِي) مؤكّد لقوله: "إن ذاك قاتلي".

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقول أبي عامر: "إن ذلك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني"؛ كذا الرواية الصحيحة، تراه: بالتاء باثنتين من فوقها، والكلام كله لأبي عامر، وكأن الذي رمى أبا عامر كان قريبًا منهما، فأشار إليه بذلك مرتين تقريبًا له، وأكد ذلك بقوله: تراه، فكأنه قال: الذي تراه، ووقع في بعض النُّسخ ذلك بلام البعد، وفيه بُعد، وقرأه بالفاء، فكأنه من قول الراوي خبرًا عن أبي موسى أنه رأى القاتل، والأول أصح. انتهى (١).

(قَالَ أَبُو مُوسَى) -رضي الله عنه-: (فَقَصَدْتُ لَهُ)؛ أي: لذلك الرجل، يقال: قَصَدتُ الشيءَ، وله، وإليه، قصدًا، من باب ضَرَبَ: طلبته بعينه، قاله الفيّوميّ (٢)، وقوله: (فَاعْتَمَدْتُهُ) بمعنى قصدت له، فهو مؤكّد له، (فَلَحِقْتُهُ) بكسر الحاء المهملة، يقال: لحِقته، ولحقت به ألحَقُ، من باب تَعِبَ لَحَاقًا بالفتح: أدركته، والحقته بالألف مثله (٣). (فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى)؛ أي: أدبر (عَنِّي ذَاهِبًا) حال مؤكّد لـ "ولّى"، كما في "الخلاصة":

وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا … فِي نَحْوِ "لَا تَعْثُ فِي الأَرْضِ مُفْسِدًا"

(فَاتَّبَعْتُهُ) قال في "العمدة": ضُبط بقطع الألف، وصوابه بوصلها، وتشديد التاء؛ لأنَّ معناه: سِرْتُ في أثره، ومعنى أتبعته -بقطع الألف-: لحقته، والمراد هنا: سِرْت في أثره. انتهى (٤).

(وَجَعَلْتُ)؛ أي: شرعت، وأخذت (أَقُولُ لَهُ: أَلَا) أداة تحضيض، (تَسْتَحْيِي؟) بياءين، ويجوز بياء واحدة، من استحى يستحي، لغة في استحيا يستحيي. (أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟) إنما قال له ذلك؛ لأنَّ العرب لفرط شجاعتها تعيب الفرار من الأقران أشدَّ عيب، وقوله: (أَلَا تَثْبُتُ؟) تأكيد لِمَا قبله.

(فَكَفَّ)؛ أي: توقّف، أو كفّ نفسه، يتعدّي، ولا يتعدّى. (فَالْتَقَيْتُ أَنَا


(١) "المفهم" ٦/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٠٤.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٠.
(٤) "عمدة القاري" ١٧/ ٣٠٢.