يجيزون زيادة "من" في الموجَب، كما تقدَّم، ويعني بالأمر: الولايات؛ وإنَّما يكون من يكرهها من خير الناس؛ إذا كانت كراهته لها لعلّة تعظيم حقوقها، وصعوبة العدل فيها، ولخوفه من مطالبة الله تعالى بالقيام بذلك كله، ولذلك قال فيها:"نعمت المرضعة، بئست الفاطمة"، وكفى بذلك ما تقدَّم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أمير عشيرة إلا يُؤتَى يوم القيامة مغلولًا، حتى يفكه العدل، أو يوبقه الجور". انتهى (١).
(فِي هَذَا الأَمْرِ)؛ أي: الولاية، والإمرة. (أَكْرَهُهُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) وفي رواية البخاريّ: "أشدّهم له كراهيةً": قال في "الفتح": أي: أن الدخول في عُهدة الإِمْرة مكروهة من جهة تحمّل المشقة فيه، وإنما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدِّين؛ لِمَا فيه من صعوبة العمل بالعدل، وحَمْل الناس على رفع الظلم، ولمَا يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه، وحقوق عباده، ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه.
وأما قوله في الطريق التي بعد هذه:"تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ، أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً"، فإنه قيّد الإطلاق في الرواية الأُولى، وعُرف أن "من" فيه مرادةٌ، وأن من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الإطلاق.
وأما قوله:"حَتَّى يَقَعَ فِيهِ" فاختُلِف في مفهومه، فقيل: معناه أن من لم يكن حريصًا على الإمرة غير راغب فيها، إذا حصلت له بغير سؤال تزول عنه الكراهة فيها؛ لِمَا يُرَى من إعانة الله له عليها، فيأمَن على دينه ممن كان يُخاف عليه منها قبل أن يقع فيها، ومِن ثَمَّ أحب من أحب استمرار الولاية من السلف الصالح حتى قاتل عليها، وصَرَّح بعض من عُزِل منهم بأنه لم تَسُرّه الولاية، بل ساءه العزل.
وقيل: المراد بقوله: "حتى يقع فيه": أي: فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه.
وقيل: معناه: أن العادة جَرَت بذلك، وأن من حَرَص على الشيء،