للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد وقع في رواية الإسماعيليّ من طريق أبي شهاب، عن الأعمش، بلفظ: "من شر خلق الله ذو الوجهين".

وقوله: (ذَا الْوَجْهَيْنِ) مفعول أول لـ "تجدون"، والثاني قوله: "من أشرار الناس"، وقوله: (الَّذي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاء بِوَجْهٍ") تفسير لـ "ذا الوجهين"، قال القرطبيّ -رحمه الله-: إنما كان ذو الوجهين شرّ الناس؛ لأن حاله حال المنافق؛ إذ هو متملّق بالباطل، وبالكذب، مُدخل للفساد بين الناس.

وقال النوويّ -رحمه الله-: المراد بذي الوجهين: من يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيُظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق، ومحض كذب، وخِداع، وتحيّل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة، قال: فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود. انتهى (١).

وقال غيره: الفرق بينهما أن المذموم: من يزيّن لكل طائفة عملها، ويقبّحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود: أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليه ما أمكنه من الجميل، ويستر القبيح، ويؤيد هذه التفرقة رواية الإسماعيليّ بلفظ: "الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء، وهؤلاء بحديث هؤلاء" (٢).

وقال في "العمدة": ذو الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه، كما بُيّن في الحديث، وهذه هي المداهنة المحرّمة، وسُمّي ذو الوجهين مداهنًا؛ لأنه يُظهر لأهل المنكر أنه عنهم راض، فيلقاهم بوجه سَمْحٍ بالترحيب والبِشر، وكذلك يُظهر لأهل الحقّ ما أظهره لأهل المنكَر، فبخلطه لكلتا الطائفتين، وإظهارِه الرضى بفعلهم استحقّ اسم المداهنة، واستحقّ الوعيد الشديد أيضًا. انتهى (٣).

وقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: هذا حديث ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره في البيان عن ذمّ من هذه حالته، وفِعله، وخُلُقه -عصمنا الله برحمته- وقد تأول


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٥٦.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٤٩، كتاب "المناقب" رقم (٣٤٩٣).
(٣) "عمدة القاري" ٢٢/ ١٣١.