للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوم في هذا الحديث أنه الذي يرائي بعمله، ويُري الناس خشوعًا، واستكانةً، ويريهم أنه يخشى الله حتى يكرموه، وليس الحديث على ذلك، والله أعلم، وقوله: "يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه" يردّ هذا التأويل، وما يَحتاج ذم الرياء إلى استنباط معنى من هذا الحديث وشِبْهه؛ لأن الآثار فيه عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن السلف أكثر من أن تحصى، ثم أخرج بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينًا"، قال: ومن هذا الحديث -والله أعلم- أخَذ القائل قوله:

إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ يَكْشِرُ لِي … حِينَ يَلْقَانِي وَإِنْ غِبْتُ شَتَمْ

انتهى (١).

قال الحافظ بعد نقل كلام ابن عبد البرّ: قلت: وقد اقتصر في رواية الترمذيّ على صدر الحديث، لكن دلّت بقية الروايات على أن الراوي اختصره، فإنه عند الترمذي من رواية الأعمش، وقد ثبت هنا من رواية الأعمش بتمامه، ورواية ابن نمير التي أشرت إليها هي التي تردّ التأويل المذكور صريحًا، وقد رواه البخاريّ في "الأدب المفرد" من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: "لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينًا"، وأخرج أبو داود من حديث عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار".

وفي الباب عن أنس، أخرجه ابن عبد البر بهذا اللفظ، وهذا يتناول الذي حكاه ابن عبد البرّ عمن ذَكَره، بخلاف حديث الباب، فإنه فسّر بمن يتردد بين طائفتين من الناس، والله أعلم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ١٨/ ٢٦١ - ٢٦٢.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٤٩، كتاب "المناقب" رقم (٣٤٩٣).