قال القاضي عياض: واختلفوا في المراد بالقرن هنا، فقال المغيرة: قرنه أصحابه، والذين يلونهم أبناؤهم، والثالث أبناء أبنائهم، وقال شهر: قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني ما بقيت عين رأت من رآه، ثم كذلك، وقال غير واحد: القرن كل طبقة مقترنين في وقت، وقيل: هو لأهل مدة بُعث فيها نبيّ طالت مدته أم قصرت، وذكر الحربيّ الاختلاف في قَدْره بالسنين، من عشر سنين إلى مائة وعشرين، ثم قال: وليس منه شيء واضح، ورأى أن القرن كل أمة هلكت، فلم يبق منها أحد، وقال الحسن وغيره: القرن عشر سنين، وقتادة: سبعون، والنخعيّ: أربعون، وزرارة بن أبي أوفى: مائة وعشرون، وعبد الملك بن عمير: مائة، وقال ابن الأعرابيّ: هو الوقت، هذا آخر ما نَقَل القاضي.
قال النوويّ: والصحيح أن قرنه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله-، وهو بحث نفيسٌ (١).
وقال في "الفتح": والمراد بقرن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: الصحابة، وقد سبق في صفة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قوله:"وبُعثت في خير قرون بني آدم"، وفي رواية بُريدة عند أحمد:"خير هذه الأمة القرن الذين بُعثت فيهم"، وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة، أو دونها، أو فوقها بقليل، على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتُبِر ذلك من بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فيكون مائة سنة، أو تسعين، أو سبعًا وتسعين.
وأما قرن التابعين فإن اعتُبر من سنة مائة، كان نحو سبعين، أو ثمانين، وأما الذين بعدهم، فإن اعتُبر منها كان نحوًا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان، والله أعلم.
واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله، من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتُحِن أهل العلم ليقولوا بخلق القران، وتغيَّرت الأحوال تغيّرًا شديدًا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن،