قال: وعلى ما حكاه أبو زيد يكون الصواب في "وَهِل" الذي في هذا الحديث كسر الهاء؛ لأنَّه هو الذي يتعدى بـ "في"، ويشهد له المعنى، وأما وَهَل -بالفتح - فيتعدى بـ "إلى"، والمعنيان متقاربان، ويمكن أن يقال: إن "وَهَل في الشيء" فيه لغتان: الفتح، والكسر، والله أعلم. انتهى (١).
(فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)؛ أي: في حديثه، وقوله:(تِلْكَ) نعتٌ لـ "مقالة"، أو بدل، أو عطف. (فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ) ولفظ البخاريّ: "إلى ما يتحدّثون"، (مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ)؛ أي: حيث تؤولونها بهذه التأويلات التي كانت مشهورة بينهم، مشارًا إليها عندهم في المعنى المراد عن مائة سنة، مثل إن المراد بها: انقراض العالم بالكلية ونحوه؛ لأن بعضهم كان يقول: إن الساعة تقوم عند انقضاء مائة سنة، كما روى ذلك الطبرانيّ وغيره، من حديث أبي مسعود البدريّ -رضي الله عنه-، ورَدّ عليه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -.
(وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ"، يُرِيدُ)؛ أي: يريد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (بِذَلِكَ)؛ أي: بقوله هذا، (أَنْ يَنْخَرِمَ)؛ أي: ينقطع، وينقضي (ذَلِكَ الْقَرْنُ)؛ أي: القرن الذي هو فيه، والقرن بفتح القاف، وسكون الراء: كل طبقة مقترنين في وقت، ومنه قيل لأهل كل مدّة، أو طبقة بُعث فيها نبيّ: قرن، قَلّت السنون، أو كثرت، وقد تقدّم البحث فيه مستوفي في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني"، ولله الحمد والمنّة.
وفي رواية البخاريّ:"أنها تخرم ذلك القرن": أي: أن مضيّ مائة سنة يَخْرِم أهل ذلك القرن؛ أي: يقطعه، من الخرم بالخاء المعجمة، من باب ضرب، يقال: خرمت الشيء: إذا قطعته.
وغَرَضُ ابن عمر -رضي الله عنهما -؛ أن الناس ما فَهِموا ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه المقالة، وحملوها على محامل كلها باطلة، وبيَّن أن رسول الله ع -صلى الله عليه وسلم- أراد بذلك انخرام القرن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك، وهو القرن الذي كان هو فيه بأن تنقضي أهاليه، ولا يبقى منهم أحد بعد مائة سنة، وليس مراده أن ينقرض العالم بالكلية، وكذلك وقع بالاستقراء، فكان آخر من ضُبط عمره ممن كان