للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيكون المتكلمون في المهد سبعة، فبطل الحصر بالثلاثة المذكورين في الحديث.

قلت (١): ويجاب عن ذلك: بأن الثلاثة المذكورين في الحديث هم الذين صحّ أنهم تكلموا في المهد، ولم يُختلف فيهم فيما علمت، واختُلف فيمن عداهم، فقيل: إنهم كانوا كبارًا بحيث يتكلمون ويعقلون، وليس فيهم أصح من حديث صاحب الأخدود، ولم تُسلَّم صحة الجميع، فيرتفع الإشكال بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما كان في عِلمه، مما أُوحي عليه في تلك الحال، ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بأشياء من ذلك، فأخبرنا بذلك على ما في علمه. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

وقال في "الفتح": في هذا الحصر نظر، إلا أن يُحْمَل على أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بُعْدٌ، ويَحْتَمِل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيّدًا بالمهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرَّح بالمهد في حديث أبي هريرة، وفيه تعَقُّب على النوويّ في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد، والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد، والبزار، وابن حبان، والحاكم: "لم يتكلم في المهد إلا أربعة"، فلم يذكر الثالث الذي هنا، وذَكَر شاهد يوسف، والصبي الرضيع الذي قال لأمه، وهي ماشطة بنت فرعون لمّا أراد فرعون إلقاء أمه في النار: اصبري يا أمه، فإنّا على الحقّ، وأخرج الحاكم نحوه، من حديث أبي هريرة، فيجتمع من هذا خمسة، ووقع ذِكر شاهد يوسف أيضًا في حديث عمران بن حصين، لكنه موقوف، وروى ابن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف، مثل حديث ابن عباس، إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة، وفي "صحيح مسلم" من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود: "أن امرأة جيء بها لتلقى في النار، أو لتكفر، ومعها صبيّ يرضع، فتقاعست، فقال لها: يا أمه اصبري فإنكِ على الحقّ"، وزعم الضحاك في "تفسيره" أن يحيى تكلم في المهد،


(١) القائل القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥١١ - ٥١٢.