للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ -: وكل ذلك محمول على أنه قاله في نفسه، لا أنه نطق به، ويَحْتَمِل أن يكون نطق به على ظاهره؛ لأن الكلام كان مباحًا عندهم، وكذلك كان في صدر الإسلام، وقد قدمتُ (١) في أواخر الصلاة ذِكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه، رفعه: "لو كان جريج عالِمًا لَعَلِم أن إجابة أمه أَولى من صلاته". انتهى (٢).

(فَانْصَرَفَتْ)؛ أي: رجعت إلى بيتها بعد أن أيست من إجابة ولدها نداءها، (فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ) الظاهر أن "كان" تامّة، واسمها "الغد"، و"من" زائدة، على رأي من يرى من النحاة زيادتها في الإثبات؛ أي: فلما جاء الغد (أتتْهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي، وَصَلَاِتي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاِته، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أي رَبِّ أُمِّي، وَصَلَاتي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاِته، فَقَالَت: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ) وفي رواية أبي رافع الماضية: "حتى تريه المومسات"، وفي رواية للبخاريّ من هذا الوجه: "فقالت: اللَّهُمَّ لا تُمِتْه حتى تريه وجوه المومسات"، وفي رواية الأعرج: "حتى ينظر في وجوه المياميس"، ومثله في رواية أبي سلمة، وفي حديث عمران بن حصين: "فغَضِبت، فقالت: اللَّهُمَّ لا يموتنّ جريج حتى ينظر في وجوه المومسات"، والمومسات: جمع مومسة -بضم الميم، وسكون الواو، وكسر الميم، بعدها سين مهملة- وهي الزانية، وتُجمع على مواميس، بالواو، وأنكر ابن الخشاب جَمْعه بالمياميس بالتحتانية، ووجّهه غيره، وجوّز صاحب "المطالع" فيه الهمزة بدل الياء، بل أثبتها روايةً، ووقع في رواية الأعرج: "فقالت: أبيتَ أن تُطْلع إليّ وجهك، لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة".

(فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا، وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ)؛ أي: زانية، يقال: بغت المرأة تبغي بِغاءً بالكسر والمدّ: فجَرَتْ، فهي بغيّ، والجمع بغايا،


(١) هذا من كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-.
(٢) "الفتح" ٨/ ٦٨ - ٦٩، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٣٦).