للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَيْسَ الْجَمَالُ بِمِئْزَرٍ … فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا

إِنَّ الْجَمَالَ مَعَادِنٌ … وَمَنَاقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا

وهذا الصبيّ ظاهره أن الله تعالى خلق فيه عقلًا وإدراكًا كما يخلقه في الكبار عادةً، ففَهِم كما يفهمون، ويكون خرق العادة في كونه خَلق له ذلك قبل أوانه، ويَحْتَمِل أن يكون أجرى الله ذلك الكلام على لسانه، وهو لا يعقله، كما خلق في الذراع والحصى كلامًا له معنى صحيح، مع مشاهدة تلك الأمور باقية على جمادتها، كل ذلك ممكن، والقدرة صالحة، والله تعالى أعلم بالواقع منهما.

فأمَّا عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- فخلق الله له في مهده ما خلق للعقلاء والأنبياء، في حال كمالهم من العقل الكامل، والفهم الثاقب، كما شهد له بذلك القرآن. انتهى (١).

(فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ) الصبي (الثَّدْيَ)؛ أي: ارتضاع الثدي، (وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ)؛ أي: إلى الرجل الراكب (فَنَظَرَ إِلَيْه، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِه، فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ"، قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه -: (فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ يَحْكِي ارْتضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَابَةِ فِي فَمِهِ) - صلى الله عليه وسلم -، وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل، (فَجَعَلَ يَمُصُّهَا) بضمّ الميم، وفتحها، من باب قتل، وتَعِبَ، ومنهم من يقتصر على الثاني، وامتصّه بمعناه، قاله الفيّوميّ، وقال في "التاج": مَصِصْتُه بالكَسْر، أَمَصُّه، بالفَتْح، زاد الأَزْهَرِيّ: مَصَصْتُه بالفَتْح، أَمُصُّهُ، بالضَّمّ، كخَصَصْتُه أَخُصُّه مَصًّا، قال: والفَصِيحُ الجَيِّدُ. مَصِصْتُه بالكَسْر أَمَصُّ: أي: شَرِبْتُهُ شُرْبًا رَفِيقًا. انتهى (٢). (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("وَمَرُّوا بِجَارِيةٍ) وفي رواية البخاريّ: "ثُمّ بأمة"، وقوله: "ثم مُرّ بأمة" بضم الميم، على البناء للمجهول، زاد أحمد عن وهب بن جرير: "تُضرَب". (وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا) وفي رواية الأعرج، عن أبي هريرة: "تُجَرّر، ويُلعب بها"، وهي بجيم مفتوحة، بعدها راء ثقيلة، ثم راء أخرى، (وَيَقُولُونَ: زَنَيْت، سَرَقْتِ) بكسر التاء فيهما على المخاطبة، وبسكونها على الخبر، (وَهِيَ


(١) "المفهم" ٦/ ٥١٥ - ٥١٦.
(٢) "تاج العروس" ١/ ٤٥٣٥.