للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال العلماء: البرّ يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف، والمبرّة، وحسن الصحبة، والعِشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق.

(وَالإِثْمُ مَما حَاكَ فِي صَدْرِكَ)؛ أي: ما شككت فيه، أنه حلال، أو حرام (وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) فالاحتياط أن تتركه، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معنى "حاك في صدرك": أي: تحرّك فيه، وتردّد، ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشكّ، وخَوْف كونه ذنبًا (١).

وقال ابن منظور: قوله: "ما حكّ في نفسك": أي: إذا لَمْ تكن منشرح الصدر به، وكان في قلبك منه شيء من الشكّ، والرَّيب، وأوهمك أنه ذنب وخطيئة، ومنه الحديث الآخر: "ما حكّ في صدرك، وإن أفتاك المفتون"، قال الأزهريّ: ومنه حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "الإثم حَوّاز القلوب" (٢)؛ يعني: ما حَزّ في نفسك، وحَكّ فاجتنبه، فإنه الإثم، وإن أفتاك فيه الناس بغيره (٣).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "والإثم ما حاك في نفسك … إلخ"؛ أي: الشيء الذي يؤثر نفرةً، وحَزَازة في القلب، يقال: حاك الشيء في قلبي: إذا رَسَخ فيه، وثَبَت، ولا يحيك هذا في قلبي؛ أي: لا يثبت فيه، ولا يستقر، قال شَمِر: الكلام الحانك: هو الراسخ في القلب، وَإنما أحاله النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذا الإدراك القلبيّ؛ لِمَا عَلِم من جودة فهمه، وحسن قريحته، وتنوير قلبه، وأنه يُدرك ذلك من نفسه، وهذا كما قال في الحديث الآخر: "الإثم حَزَّاز القلوب"؛ يعني به: القلوب المنشرحة للإسلام، المنوّرة بالعلم الذي قال فيه مالك: العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب، وهذا الجواب لا يصلح لغليظ الطبع، قليل الفهم، فإذا سأل عن ذلك مَن قَلَّ فهمه، فصّلت له الأوامر، والنواهي الشرعيّة، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: "أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نُنَزّل


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١١.
(٢) صحيح موقوف.
(٣) راجع: "لسان العرب" ١٠/ ٤١٤.