للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: "أين السائل؟ " فقال له: أنا يا رسول الله، فقال بأصبعه: "ما أنكر قلبك فدعه"، خرّجه أبو القاسم البغويّ في "معجمه"، وقال: لا أدري عبد الرَّحمن بن معاوية، سمع من النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا؟ ولا أعلم له غير هذا الحديث.

قال ابن رجب: هو عبد الرَّحمن بن معاوية بن خَدِيج، جاء منسوبًا في "كتاب الزهد" لابن المبارك، وعبد الرَّحمن هو تابعيّ مشهور، فحديثه مرسل، وقد صحّ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الإثم حوّاز القلوب"، واحتجّ به الإمام أحمد، ورواه عن جرير، عن منصور، عن محمد بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله: إياكم وحزّاز القلوب، وما حَزّ في قلبك فَدَعْه، قال أبو الدرداء: الخير في طمأنينة، والشرّ في ريبة.

ورَوَى ابن مسعود من وجه منقطع، أنه قيل له: أرأيت شيئًا يحيك في صدورنا، لا ندري حلال هو، أم حرام؟ فقال: وإياكم والحكّاكات، فإنهن الإثم. والحكّ، والحزّ متقاربان في المعنى، والمراد: ما أثّر في القلب ضِيقًا، وحَرَجًا، ونفُورًا، وكراهة. انتهى (١).

(المسألة الرابعة): ذكر الحافظ ابن رجب - رَحِمَهُ اللهُ - بحثًا نفيسًا يتعلّق بهذه الأحاديث، فقال بعد أن أوردها:

وهذه الأحاديث مشتملة على تفسير البرّ والإثم، وبعضها في تفسير الحلال، والحرام، فحديث النّوّاس بن سِمعان فسّر به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البرّ بحُسن الخُلُق، وفسّره في حديث وابصة (٢) وغيره بما اطمأنت إليه النفس والقلب، كما


(١) "جامع العلوم والحكم" لابن رجب ٢/ ٩٥ - ٩٧.
(٢) حديث وابصة - رضي الله عنه -: هو ما أخرجه أحمد في "مسنده" (٤/ ٢٢٨) عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه -، قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنا أريد أن لا أدع شيئًا من البرّ والإثم إلَّا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين، يستفتونه، فجعلت أتخطاهم، فقالوا: "إليك يا وابصة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، فقلت: دعوني، فأدنوَ منه، فإنه أحب الناس إليّ أن أدنو منه، قال: "دعوا وابصة، ادْنُ يا وابصة" مرتين، أو ثلاثًا، قال: فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه، فقال: "يا وابصة أخبرك، أو تسألني؟ " قلت: لا، بل أخبرني، فقال: "جئت تسألني عن البرّ والإثم"، فقال: نعم، فجَمَع أنامله، فجعل ينكت بهنّ في صدري، ويقول: "يا وابصة استفت قلبك، =