سيّئةً، بل تُحْتَقَر وتُذمّ تلك الحالة السيّئة، لا تلك الذات المسيئة، فتدبّر هذا، فإنَّه نظرٌ دقيق. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: قد كتب الحافظ ابن رجب رحمه الله على هذا الحديث تحقيقات مفيدة، أحببت إيرادها في مسائل تكميلًا للفوائد، ونشرًا للعوائد، فقالت:
(المسألة الرابعة): قال رحمه اللهُ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذُله، ولا يَكْذِبه، ولا يحقره" هذا مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: ١٠]، فإذا كان المؤمنون إخوةً أُمروا فيما بينهم بما يوجب تآلف القلوب، واجتماعها، ونُهُوا عما يوجب تنافر القلوب، واختلافها، وهذا من ذلك، وأيضًا فإن الأخ من شأنه أن يوصل لأخيه النفعَ، ويكفّ عنه الضرر، وهذا من أعظم الضرر الذي يجب كفّه عن الأخ المسلم، وهذا لا يختص بالمسلم، بل هو محرّم في حق كل أحد.
وسيأتي الكلام على الظلم مستوفًى عند ذكر حديث أبي ذر -رضي الله عنه- الإلهيّ:"يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تَظالموا … ".
ومن ذلك خِذلان المسلم لأخيه، فإن المؤمن مأمور أن ينصر أخاه، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "انصر أخاك ظالِمًا، أو مظلومًا"، قال: يا رسول الله أنصره مظلومًا، فكيف أنصره ظالِمًا؟ قال:"تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه"، خرّجه البخاريّ بمعناه، من حديث أنس، وخرّجه مسلم بمعناه من حديث جابر، وخرّجه أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاريّ، وجابر بن عبد الله، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من امرئ مسلم يَخذُل امرءًا مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عِرضه، إلا خذله الله في موضع يحب فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع يُنتقص فيه من عرضه، وتُنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نُصرته"(١).
(١) في إسناده إسماعيل بن بشير: مجهول، كما في "التقريب"، وحسَّنه بعضهم لشواهده، راجع: ما كُتب في هامش "جامع العلوم" ٢/ ٢٧٤.