للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عند الله تعالى ممن له قدر في الدنيا، فإنما الناس يتفاوتون بحسب التقوى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، وسئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم لله تعالى" (١)، وفي حديث آخر: "الكرم التقوى" (٢).

والتقوى أصلها في القلب، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢]، وإذا كان أصل التقوى في القلوب، فلا يَطَّلع أحد على حقيقتها إلا الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم" (٣).

وحينئذ فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة، أو مال، أو جاه، أو رياسة في الدنيا قلبه خرابًا من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوءًا من التقوى، فيكون أكرم عند الله تعالى، بل ذلك هو الأكثر وقوعًا، كما في "الصحيحين" عن حارثة بن وهب، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف، مستضعف، لو أقسم على الله لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النار، كل عُتُلّ جَوَّاظ (٤)، مستكبر" (٥).

وفي "المسند" عن أنس، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما أهل الجنة، فكل ضعيف، مستضعف، أشعث، ذو طِمْرين، لوأقسم على الله لأبره، وأما أهل النار، فكل جَعْظَريّ، جَوّاظ، جَمّاع، منّاع، ذي تَبَع" (٦).

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحاججت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين، والمتجبرين، وقالت الجنة: لا


(١) متّفقٌ عليه.
(٢) رواه الترمذيّ، وحسّنه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ، وصححه الألباني.
(٣) رواه مسلم.
(٤) "المستضعَف" بفتح العين، وكسرها، والفتح أشهر؛ أي: يستضعفه الناس لضعف حاله في الدنيا، و"العتُلّ": الجافي الشديد الخصومة في الباطل، و"الجوّاظ": هو الجَمُوع المَنُوع.
(٥) متّفقٌ عليه.
(٦) في سنده ابن لهيعة، لكن يتقوّى بحديث حارثة المتقدّم.