للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صلاحها، وتَحْفظها، وتراعيها، كما يُرَبِّي الرجل ولده، قاله المناويّ رحمه الله (١).

وقال القرطبيّ: "تربّها"؛ أي: تقوم بها، وتُصلحها، فتتعاهده بسببها. انتهى.

(قَالَ) الرجل: (لَا)؛ أي: ليست لي عليه نعمة أَرُبّها، (غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عز وجل)؛ أي: ليس لي داعية إلى زيارته إلا محبتي إياه ابتغاء مرضاة الله تعالى.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فقال: لا، غير أني أحببته في الله"؛ أي: لم أزره لغرض من أغراض الدنيا، ثم أخبر بأنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله تعالى، فبشّره الملَك بأن الله تعالى قد أحبّه بسبب ذلك (٢).

(قَالَ) الملَك: (فَإنِّي رَسُولُ اللهِ)؛ أي: مرسلٌ منه تعالى (إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) قال النوويّ: قال العلماء: محبة الله عبده هي رحمته له، ورضاه عنه، وإرادته له الخير، وأن يفعل به فعل المحب من الخير، وأصل المحبة في حقّ العباد ميل القلب، والله تعالى منزه عن ذلك. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قول النوويّ: قال العلماء … إلخ يريد به علماء المتكلّمين، لا علماء السلف، فإنهم لا يؤوّلون صفة المحبّة بهذا التأويل، بل يثبتونها كما أثبتها الكتاب والسُّنَّة الصحيحة في هذا الحديث، وغيره، وأما هذا الذي ذكر من معنى للمحبّة فإنه من ثمراتها، ولوازمها، فالحقّ أن المحبّة ثابتة لله تعالى على ما يليق بجلاله، ثم إذا ثبتت، فمن لوازمها أن يرحم من يحبّه، ويرضى عنه، ويريد له الخير.

والحاصل أن الحقّ إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة من المحبّة، والرضا، والغضب، والسخط، والتعجّب، والاستواء، والنزول، والمجيء، وغير ذلك، على ظا هرها، وتنزيهه عن مشابهة خَلْقه، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، بل على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.

[فائدة]: قال الغزاليّ رحمه الله: زيارة الإخوان في الله من جواهر عبادة الله


(١) "فيض القدير" ٤/ ٦١.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٤٣.