للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: ٣١]، وكما قال: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، وكما قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠].

وقد نطق الكتاب بما لا يبقى معه ريبٌ لذي فهم سليم بقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)} [يونس: ٢٥]، فعمّ الدعوة، وخصّ بالهداية من سبقت له العناية.

وحاصل قوله: "كلكم ضالّ إلا من هديته. . . إلخ" التنبيه على فقرنا، وعجزنا عن جلب منافعنا، ودفع مضارّنا بأنفسنا، إلا أن ييسّر الله ذلك لنا، بأن يخلق ذلك لنا، ويعيننا عليه، ويصرف عنا ما يضرّنا، وهو تنبيه على معنى قوله: "لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم"، ومع ذلك، فقال في آخر الحديث: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"؛ تنبيهًا على أن عدم الاستقلال بإيجاد الأعمال لا يناقض خطاب التكليف بها، إقدامًا عليها، وإحجامًا عنها، فنحن، وإن كنا نعلم أنّا لا نستقلّ بأفعالنا نُحِسّ بوجدان الفرق بين الحركة الضرورية، والاختيارية، وتلك التفرقة راجعة إلى تمكّن محسوس، وتأتّ معتادٍ يوجد مع الاختيارية، ويُفقد مع الضرورية، وذلك هو المعبَّر عنه بالكسب، وهو مورد التكليف، فلا تناقض، ولا تعنيف. انتهى (١).

[فائدة]: ذكر الراغب الأصفهانيّ في "مفرداته" بحثًا نفيسًا في "الضلال"، فقال - رحمه الله -: الضلال: العدول عن الصراط المستقيم، وتضادّه الهداية، قال تعالى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [يونس: ١٠٨]، ويقال: الضلال لكل عدول عن المنهج، عمدًا كان أو سهوًا، يسيرًا كان أو كثيرًا، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صَعْبٌ جدًّا، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا، ولن تحصوا. . ." الحديث (٢).


(١) "المفهم" ٦/ ٥٥٣ - ٥٥٥.
(٢) حديث صحيح، وهو حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، =