للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدنيا، وذكر منها ما هو أصلٌ فيها، ومكمِّل لمنافعها، من الشِّبَع، واللُّبس، ولا يُستغنى عنهما، ومن ثمّ وصف الجنّة بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)} [طه: ١١٨] (١).

(يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ)؛ أي: محتاج إلى الطعام (إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ)؛ أي: بسطت عليه الرزق، وأغنيته، (فَاسْتَطْعِمُونِي)؛ أي: اطلبوا الطعام من جنابي، وتيسير القوت والقوّة من بابي، (أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي) كرّره للتنبيه على فخامته، والاعتناء بشأنه، (كُلُّكُمْ عَارٍ)؛ أي: محتاج إلى ستر عورته، وإلى التنعّم بأنواع اللباس، وزينته، (إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي)؛ أي: اطلبوا مني الكسوة (أَكْسُكُمْ) بضمّ السين، من باب غزا يغزو، قال الطيبيّ - رحمه الله -: فإن قلت: ما معنى الاستثناء في قوله: "إلا من أطعمته"، و"إلا من كسوته"؛ إذ ليس أحد من الناس محرومًا عنهما؟.

قلت: الإطعام والكسوة لَمّا كانا معبِّرَين عن النفع التّامّ، والبسط في الرزق، وعدمهما عن التقتير والتضيّق، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الزمر: ٥٢] ظهر من هذا أنه ليس المراد من إثبات الجوع والعري في المستثنى منه نفي الشبع، والكسوة بالكليّة، وليس في المستثنى إثبات الشبع والكسوة مطلقًا، بل المراد بَسْطهما، وتكثيرهما. انتهى كلام الطيبيّ - رحمه الله - ببعض تصرّف (٢).

(يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ) قال النوويّ - رحمه الله -: الرواية المشهورة: "تُخطئون" بضم التاء، ورُوي بفتحها، وفتح الطاء، يقال: خَطِئَ يَخْطَأ: إذا فَعَل ما يأثم به، فهو خاطئ، ومنه قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: ٩٧]، ويقال في الإثم أيضًا: أخطأ، فهما صحيحان. انتهى (٣).

وعبارة الفيّوميّ - رحمه الله -: "الخَطَأُ": مهموز بفتحتين: ضدّ الصواب، ويُقصر، ويُمدّ، وهو اسم من أَخْطَأَ، فهو مُخْطِئٌ، قال أبو عبيدة: خَطِئَ خِطْئًا، من باب


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٣٨.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٣٨.
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٣ - ١٣٤.