مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أمَر مع القسط بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا أصل الدين، وضدّه هو الذنب الذي لا يُغفر، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، وهو الدِّين الذي أمر الله به جميع الرسل، وأرسلهم به إلى جميع الأمم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف: ٤٥]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦]، وقال تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢)} [المؤمنون: ٥١، ٥٢].
ولهذا ترجم البخاريّ في "صحيحه": "باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد"، وذكر الحديث الصحيح في ذلك، وهو الإسلام العامّ الذي اتفق عليه جميع النبيين، قال نوح - عليه السلام -: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[النمل: ٩١]، وقال تعالى في قصة إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)} [البقرة: ١٣١، ١٣٢]، {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤)} [يونس: ٨٤]، وقال تعالى:{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران: ٥٢]، وقال في قصة بلقيس:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل: ٤٤]، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}[المائدة: ٤٤].
وهذا التوحيد الذي هو أصل الدين، هو أعظم العدل، وضدّه، وهو الشرك أعظم الظلم، كما أخرجاه في "الصحيحين" عن عبد الله بن مسعود قال: لمّا أُنزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢] شقّ ذلك على أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال:"ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم"، وفي "الصحيحين" عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أيُّ الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا،