للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله، حين رأيت الرجل، قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟ (ثُمَّ) لمّا دخل عليك (أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ)؛ أي: كلّمته بكلام ليّن لطيف، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("يَا عَائِشَةُ) وفي رواية البخاريّ: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة، متى عهدتني فحّاشًا"، وفي رواية: "فاحشًا"، وقوله: (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ) استئناف كلام؛ كالتعليل لِتَرْكه - صلى الله عليه وسلم - مواجهته بما ذَكَره في غيبته، قاله في "الفتح" (١). (مَنْزِلَةً) منصوب على التمييز، (عِنْدَ اللهِ) تعالى (يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ) بفتحات، قال المازريّ (٢): ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر يَدَعَ، وماضيه، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب، وقد نَطَق بالمصدر في قوله: "لينتهينّ أقوام عن وَدْعِهم الجُمعات"، وبماضيه في هذا الحديث، وأجاب عياض (٣) بأن المراد بقولهم: أماتوه؛ أي: تركوا استعماله إلا نادرًا، قال: ولفظ "أماتوا" يدلّ عليه، ويؤيد ذلك أنه لم يُنقل في الحديث إلا في هذين الحديثين، مع شكّ الراوي في حديث الباب، مع كثرة استعمال "ترك"، ولم يقل أحد من النحاة: إنه لا يجوز. انتهى (٤).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "من وَدَعه، أو تركه الناس. . . إلخ" هذا شكٌّ من بعض الرواة في أيّ اللفظين قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان الصحيح "وَدَعَه"، فقد تكلّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالأصل المرفوض، كما قد تكلّم به الشاعر الذي هو أنس بن زُنيم في قوله [من الرمل]:

سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ … عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَعَهْ

وقد حُكي عن بعض السلف أنه قرأ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)} [الضحى: ٣]، بتخفيف الدال، وقد صحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه تكلّم بمصدر ذلك المرفوض، حيث قال: "لينتهينّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم" (٥)، وهذا كلّه يردّ على من قال من النحويين: إن العرب قد أماتت ماضي هذا الفعل، ومصدره، ولا يُتكلّم به استغناءً عن ذلك بتركه، فإن أراد به


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٠٩.
(٢) "المعلم" ٣/ ١٦٧.
(٣) "إكمال المعلم" ٨/ ٦٣.
(٤) "الفتح" ١٣/ ٥٧٩ - ٥٨٠.
(٥) رواه مسلم.