للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير - رحمه الله -: قد تكرر ذِكْر الفُحْش، والفاحِشة، والفواحش في الحديث، وهو كل ما يَشْتدّ قُبْحه من الذنوب، والمعاصي، وكثيرًا ما تَرِدُ الفاحِشة بمعنى الزّنا، وكل خَصْلة قبيحة فهي فاحِشة، من الأقوال، والأفعال، ومنه الحديث: قال لعائشة: لا تقَولِي ذلك، فإن الله لا يُحِبّ الفُحْش، ولا التفَاحُش، أراد بالفُحْش: التَّعَدّي في القَول والجواب، لا الفحشَ الذي هو من قَذَع الكلام، ورَدِيئه، والتَّفَاحُش: تَفَاعُل منه، وقد يكون الفُحْش بمعنى الزيادة والكَثْرة، ومنه قول بعضهم، وقد سُئل عن دَمِ البراغِيث، فقال: إن لم يكن فاحشًا فلا بأس. انتهى (١).

وفي رواية البخاريّ: "اتّقاء شرّه"؛ أي: قُبح كلامه؛ لأن الرجل المذكور كان من جُفاة الأعراب.

قال الجامع عفا الله عنه: ظاهر كلام الشرّاح أن المعنيّ بمن تركه الناس اتّقاء فحشه: هو الرجل الداخل الذي قال فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بئس أخو العشيرة"، وقال القاري بعد أن ذكر المعنى الأول: وقيل: المعنى إنما ألنت له القول؛ لأني لو قلت له في حضوره ما قلته في غيبته لتركني اتّقاء فُحْشي، فأكون أشرّ الناس. انتهى (٢).

قال الجامع: وهذا المعنى الثاني عندي هو الأقرب، والأظهر، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ: في هذا الحديث إشارة إلى أن عيينة المذكور خُتم له بسوء؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتقى فُحشه، وشَرّه، وأخبر أن من يكون كذلك يكون شرّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة.

وتعقّبه الحافظ - وأجاد في ذلك - فقال: ولا يخفى ضَعف هذا الاستدلال، فإن الحديث ورد بلفظ العموم، فمن اتصف بالصفة المذكورة فهو الذي يتوجه عليه الوعيد، وشَرْط ذلك أن يموت على ذلك، ومن أين له أن عيينة مات على ذلك؟ واللفظ المذكور يَحْتَمِل لأن يقيّد بتلك الحالة التي قيل فيها ذلك، وما المانع أن يكون تاب وأناب؟ وقد كان عيينة ارتدّ في زمن


(١) "النهاية في غريب الأثر" ٣/ ٧٩٠.
(٢) "المرقاة" ٨/ ٥٧٤.