للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في ظاهر الأمر أنهن لا يدخلن الجنة أصلًا، وإنما أراد أنهن لا يدخلن الجنة إلا شبابًا، فهذا وشِبْهه من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، وأما صريح الكذب فليس بجائز لأحد، وأما قول حذيفة - رضي الله عنه - فإنه خارج من معاني الكذب الذي رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أَذِن فيها، وإنما ذلك من جنس إحياء الرجل نفسه عند الخوف، كالذي يضطرّ إلى الميتة، ولحم الخنزير، فيأكل ليُحيي نفسه، وكذلك الخائف له أن يُخَلِّص نفسه ببعض ما حَرَّم الله تعالى عليه، وله أن يحلف على ذلك، ولا حرج عليه، ولا إثم.

قال عياض: وأما المخادعة في مَنْع حقّ عليه، أو عليها، أو أخْذ ما ليس له، أو لها، فهو حرام بالإجماع. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن القول الأول، وهو حَمْل الكذب المذكور في هذا الحديث على ظاهره هو الحقّ؛ لأنه مقتضى ظاهر الحديث، فلا حاجة إلى العدول عنه، فيكون مخصوصًا من عموم تحريم الكذب، وأما تأويل أهل القول الثاني بما سبق، فإخراج للحديث عن معناه الظاهر، فلا يعَوّل عليه، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب الكذب في الحرب"، ثم ذكر فيه حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة قتل كعب بن الأشرف (٢).

قال ابن الْمُنَيِّر: الترجمة غير مطابقة؛ لأن الذي وقع منهم في قتل كعب بن الأشرف، يمكن أن يكون تعريضًا؛ لأن قولهم: "عنّانا"؛ أي: كلّفنا بالأوامر، والنواهي، وقولهم: "سألَنا الصدقة"؛ أي: طلبها منّا ليضعها مواضعها، وقولهم: "فنكره أن ندعه إلخ"؛ معناه: نَكْرَه فراقه، ولا شك أنهم كانوا يحبون الكون معه أبدًا. انتهى.


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) وهو حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله"، قال محمد بن مسلمة: أتحبّ أن أقتله يا رسول الله؟ قال: "نعم"، قال: فأتاه، فقال: إن هذا - يعني: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد عَنّانا، وسألَنا الصدقة، قال: وأيضًا والله لتملنّه، قال: فإنا قد اتبعناه، فنكره أن نَدَعه، حتى ننظر إلى ما يصير أمره، قال: فلم يزل يكلمه، حتى استمكن منه، فقتله. انتهى.