للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه بشيء من الكذب أصلًا، وجميع ما صدر منهم تلويح، كما سبق، لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أوّلًا: ائذن لي أن أقول، قال: "قل"، فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحًا وتلويحًا، وهذه الزيادة وإن لم تُذكر في سياق حديث الباب، فهي ثابتة فيه، كما في الباب الذي بعده، على أنه لو لم يُرِد ذلك لَمَا كانت الترجمة منافرة للحديث؛ لأن معناها حينئذ: باب الكذب في الحرب، هل يسوغ مطلقًا، أو يجوز منه الإيماء، دون التصريح؟ وقد جاء من ذلك صريحًا ما أخرجه الترمذيّ من حديث أسماء بنت يزيد، مرفوعًا: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: تحدُّث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس"، وكذا حديث أم كلثوم بنت عقبة المذكور في الباب.

قال النوويّ: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أَولى.

وقال ابن العربيّ: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنصّ، رفقًا بالمسلمين؛ لحاجتهم إليه، وليس للعقل فيه مجالٌ، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالًا. انتهى.

ويقويه ما أخرجه أحمد، وابن حبان، من حديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائيّ، وصححه الحاكم في استئذانه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة، وأَذِن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هَزَموا المسلمين، وغير ذلك مما هو مشهور فيه.

ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائيّ من طريق مصعب بن سعد، عن أبيه، في قصة عبد الله بن أبي سرح، وقول الأنصاريّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا كفَّ عن بيعته: هلّا أومأت إلينا بعينك، قال: "ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين"؛ لأن طريق الجمع بينهما: أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصّةً، وأما حال المبايعة فليست بحال حرب.

وتعقّبه الحافظ، فقال: كذا قال، وفيه نظر؛ لأن قصة الحجاج بن علاط أيضًا لم تكن في حال حرب.