للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقوى الناس وأشدّهم هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فلا تجري على مقتضى غضبها، بل يكفّها، ويردّ جماحها، فتقف عند ما حدّ الشرع لها.

٢ - (ومنها): بيان فضل موت الأولاد، والصبر عليهم، قال النوويّ: ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج، وهو مذهب أبي حنيفة، وبعض أصحابنا، وسبقت المسألة في "النكاح" (١).

٣ - (ومنها): بيان فضل كظم الغيظ، وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار، والمخاصمة، والمنازعة.

٤ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هذا الحديث من الفقه فضل الحلم، وفيه دليل على أنَّ الحلم كتمان الغيظ، وأن العاقل من ملَك نفسه عند الغضب؛ لأنَّ العقل في اللغة ضَبْط الشيء، وحَبْسه، ومنه قيل: عقال الناقة، ومعناه في الشريعة مِلْكُ النفس، وصرفها عن شهواتها الْمُرْدِية لها، وحَبْسها عما حَرَّم الله عليها، قال: وقد جعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي يملك نفسه ويغلبها، من القوّة ما ليس للذي يغلب غيره، وفيه دليل على أنَّ مجاهدة النفس أصعب مرامًا، وأفضل من مجاهدة العدوّ (٢).

ومما قيل فيمن يملك نفسه عند الغضب، ما قاله ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وروينا عن محمد بن جُحادة قال: كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت [من الرمل]:

لَيْسَ (٣) الأَحْلَامُ فِي حِينِ الرِّضَا … إِنَّمَا الأَحْلَامُ فِي حَالِ الْغَضَبْ

وقال غيره [من البسيط]:

لَا يُعْرَفُ الْحِلْمُ إِلَّا سَاعَةَ الْغَضَبِ

وقال أبو العتاهية [من الطويل]:

أُقَلِّبُ طَرْفِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ … لِأَعْلَمَ مَا فِي النَّاسِ وَالْقَلْبُ يَنْقَلِبْ

فَلَمْ أَرَ كَنْزًا كَالْقُنُوعِ لِأَهْلِهِ … وَأَنْ يُجْمِلَ الْإنْسَانُ مَا عَاشَ فِي الطَّلَبْ


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٢) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٦/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٣) لعلّ الصواب: "ليست الأحلام"، فليُحرّر.