للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسوخ الاختلاف في النفوس، كرسوخ عروق المعادن فيها، وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته، فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها، بل من كان شريفًا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمرّ شَرَفه، فكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية، وهذا معنى قوله: (خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة، خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ) ثم لمّا أَطلق الحكم خصّه بقوله: (إِذَا فَقُهُوا) بضم القاف على الأجود، ذكره أبو البقاء؛ أي: صاروا فقهاء، ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم، وأن الشرف الإسلامي لا يتمّ إلا بالفقه، وأنه الفضيلة العظمى، والنعمة الكبرى، والمراد بالخيار في هذا ونحوه: من كان متصفًا بمحاسن الأخلاق، كالكرم، والفقه، والحِلم، وغيرها، متوقّيًا لمساوئها، كالبخل، والفجور، والظلم، وغيرها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "بضمّ القاف إلخ" ويجوز كسرها، كما أشار إليه، قال المجد رحمهُ اللهُ: الفِقْهُ بالكسر: العِلْمُ بالشيء، والفَهْمُ له، والفِطْنَةُ، وغَلَبَ على عِلمِ الدينِ؛ لشَرَفِه، وفَقُهَ ككَرُمَ، وفَرِحَ، فهو فَقِيهٌ، وفَقُهٌ، كَنَدُسٍ، جَمْعه: فُقَهاءُ، وهي فَقيهَةٌ، وفَقُهَةٌ، جَمْعها: فُقَهاءُ، وفَقائِهُ، وفَقِهَهُ كَعَلِمَهُ: فَهِمَهُ، كتَفَقَّهَهُ، وفَقَّهَهُ تَفْقيهًا: عَلَّمَهُ، كأَفْقَهَهُ. انتهى (٢).

وقال الفيّوميّ رحمهُ اللهُ: الفِقْهُ فَهْمُ الشيء، قال ابن فارس: وكلّ علم لشيء فهو فِقْهٌ، والفِقْهُ على لسان حملة الشرع علم خاصّ، وفَقِهَ فَقَهًا، من باب تَعِبَ: إذا عَلِم، وفَقُهَ بالضم مثله، وقيل: بالضم إذا صار الفقه له سَجِيّة، قال أبو زيد: رجل فَقُهٌ، بضم القاف، وكسرها، وامرأة فَقُهَةٌ، بالضم ويتعدى بالألف، فيقال: أَفْقَهْتُكَ الشيءَ، وهو يَتَفقَّهُ في العلم، مثلُ يتعلم. انتهى (٣).

وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "الناس معادن": المعدن: الْمُستقَرّ، والمستوطَنُ، من عدنت البلد: إذا توطّنته، ومنه: المعدن المستقَرّ للجواهر والفلزات، و"معادن" خبر المبتدأ، ولا يستقيم حَمْله عليه إلا بأحد وجهين:


(١) "فيض القدير على الجامع الصغير" للمناويّ ٣/ ٢٢٩.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١٦١٤.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٩.