إما أن يكون محمولًا عليه بالتشبيه، كقولك: زيد أسدٌ، فيكون "كمعادن الذهب" بدلًا منه.
وإما بأن يكون المعادن مجازًا من التفاوت، فالمعنى: الناس متفاوتون تفاوتًا مثل تفاوت معادن الذهب والفضّة، فالمراد بالتفاوت: تفاوت النسب في الشرف والضَّعَة، يدلّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر:"فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم"؛ أي: أصولها التي يُنسبون إليها، ويتفاخرون بها، وإنما جُعلت معادن لها؛ لِمَا فيها من الاستعدادات المتفاوتة، فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعادن، ومنها غير قابلة لها.
وقوله:"خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" جملة مبيّنة بعد التفاوت الحاصل بعد فيض الله تعالى عليها من العلم والحكمة، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩]، شبّههم بالمعادن في كونها أوعيةً للجواهر النفيسة، والفلزات المنتفعة بها المعنيّ بهما في الإنسان كونه أوعية العلوم والْحِكَم، فالتفاوت في الجاهليّة بحسب الأنساب، وشَرَف الآباء، وكَرَم الأصل، وفي الإسلام بحسب العلوم والحِكم، فالشرف الأول موروث، والثاني مكتسب.
[فإن قلت]: ما فائدة التقييد بقوله: "إذا فقُهُوا"؛ لأن كل من أسلم، وكان شريفًا في الجاهليّة فهو خير من الذي لم يكن له شرف فيها، سواء فقه، أو لم يفقه؟.
[قلت]: ليس كذلك، فإن الإيمان يرفع التفاوت المعتبر في الجاهليّة، فإذا تحلَّى الرجل بالعلم والحكمة استجلب النسب الأصليّ، فيجتمع شرف النسب مع شرف الحسب، انظر إلى المنقبة السنيّة، كيف ردّ تيمّنها وبركتها ما رَفَعه الإسلام من الشرف الموروث؟، وفُهم من ذلك أن الوضيع المسلم المتحلّي بالعلم أرفع منزلةً من الشريف المسلم العاطل، ونِعْم ما قال الأحنف [من الرمل]: