للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال آخر [من الطويل]:

وَلَا الشَّرَفُ الْمَوْرُوثُ لَا دَرَّ دَرُّهُ … بِمُحْتَسَب إِلَّا بِآخَرَ مُكْتَسَبْ

وقال آخر [من الكامل]:

إِنَّ السَّرِيَّ إِذَا سَرَى فَبِنَفْسِهِ … وَابْنُ السَّرِيِّ إِذَا سَرَى أَسْرَاهُمَا

رُوي أن فزاريًّا شكى إلى عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- من لطمة لطمها جبلة بن الأيهم، فأمر بالقصاص، فقال جبلة: أيُقتصّ منّي، وأنا ملِكٌ، وهو سوقةٌ؟ فقال عمر: شملك وإياه الإسلام، فما تفضله إلا بالعاقبة. انتهى (١).

وقال المناويّ رحمهُ اللهُ: قوله: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة": معدن كل شيء أصله؛ أي: أصول بيوتهم تُعْقِب أمثالَها، ويَسري كَرَم أعراقها إلى فروعها، والمعادن جَمْع مَعْدِن، مِن عَدَن بالمكان أقام، ومنه سمّي المعدن؛ لأن الناس يقيمون فيه صيفًا وشتاءً، ومعدن كل شيء مركزه، كما في "الصحاح"، وبه يُعرف أن إطلاق اسم المعدن على بعض الأجساد كالذهب، من تسمية الشيء باسم مركزه، والحديث ورد على منهج التشبيه في التفاضل في الصفات الوهبية، والكسبية، كالأخلاق الجِبِلّية، والآداب الحاصلة بواسطة الأدلة، وشتان في القياس بين الذهب والفضة، والرصاص والنحاس، فبقدر ما بين ذلك من التفاوت تكون الصفة في الأشخاص، فكانه قال: الناس يتفاوتون في الصفات الذاتية، والعَرَضية، كما تتفاوت المعادن في ذواتها، وأعراضها القائمة بها، من العلل، والأدناس، ذَكَره بعضهم.

وقال القاضي: المعدن المستَقَرّ، والمستوطَن، مِن عَدَن بالبلد: إذا توطّنه، فكما أن المعادن منها ما يحصل منه شيء يُعبا به، ومنها ما يحصل منه بكدّ، وتَعَب كثير شيء قليل، ومنها ما هو بعكسه، ومنها ما يُظفر منه بمغارات مملوءة ذهبًا، فمن الناس من لا يعي، ولا يفقه، ولا تُغني عنه الآيات والنذر، ومنهم من يحصل له علم قليل، واجتهاد طويل، ومنهم من هو بالعكس، ومنهم من تَفِيض عليه من حيث لا يحتسب بلا سوق، وطلب، معالم كثيرة، وتنكشف له المغيّبات، ولم يبق بينه وبين القدس حجاب، وذا من جوامع الكلم الذي


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٦١ - ٦٦٢.