للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوتيها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وأفاد الترغيب في تطبّع الأوصاف الجميلة، والتوصل إليها بكل حيلة، والعِرْق دسّاس، وأدب السَّوْء كعِرْق السَّوْء، فعلى العاقل أن يتخير لنطفته، ولا يضعها إلا في أصل أصيل، وعنصر طاهر، فإن الولد فيه عِرْق ينزع إلى أمه، فهو تابع لها في الأخلاق والطباع، إشارة إلى أن ما في معادن الطباع من جواهر مكارم الأخلاق وضدها، ينبغي استخراجه برياضة النفس، كما يستخرج جوهر المعدن بالمقاساة والتعب.

قال بعضهم: ومن كان وليًّا في علم الله فلا تتغير ولايته، وإن وقع في معصية؛ لأن الحقائق الوضعية لا يقدح فيها النقائص الكسبية، فالذهب والفضة موجودان في المعادن، والمعدن الأصلي صحيح، لكن قد يدخل عليه علل نفسية في ظاهره، فيعالَج لتزول، فكما أن المعدن في أصله صحيح، لا يخرج عن معدنيته، فكذا المؤمن الحقيقيّ أو الولي الحقيقيّ لا يُخرجه ما جرى على جوارحه من النقائص عن حقيقة إيمانه، أو ولايته.

وقال بعضهم: المراد أن كل من كان أصله عند الله مؤمنًا، فهو يرجع إلى أصله، كالمعدن، ومن كان عنده كافرًا رجع إلى أصله كذلك، وحقيقة الأمر مستورة عنّا الآن؛ لأنه تعالى يفعل ما يشاء، فيقلب التراب ذهبًا، وعكسه، والجماد مائعًا، وعكسه، والنبات حيوانًا، وعكسه. انتهى (١).

وقوله: (وَالأَرْوَاحُ)؛ أي: أرواح الناس، وهو مبتدأ خبره قوله: (جُنُودٌ) جَمْع جُنْد؛ أي: جُموع (مُجَنَّدَةٌ) بفتح النون المشدّدة؛ أي: مجتمعة متقابلة، أو مختلطة، منها حزب الله: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢]، ومنها حزب الشيطان: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: ١٩] وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح: ٤] إشارة إلى أن الجندين: أحدهما علويّ الهمة، والآخر سفليّ النَّهْمة (٢).

وقال النوويّ: قال العلماء: معناه جموع مجتمعة، أو أنواع مختلفة، وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه، وقيل: إنها موافقة صفاتها التي


(١) "فيض القدير" ٦/ ٢٩٥.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٤/ ٢٩٥.