للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جعلها الله عليها، وتناسبها في شِيَمها، وقيل: لأنها خُلقت مجتمعة، ثم فُرِّقت في أجسادها، فمن وافق بشِيَمه أَلِفَه، ومن باعده نافره، وخالفه، وقال الخطابيّ وغيره: تآلُفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة، أو الشقاوة في المبتدأ، وكانت الأرواح قسمين، متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت، واختلفت، بحسب ما خُلقت عليه، فيميل الأخيار إلى الأخيار، والأشرار إلى الأشرار، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قال الخطابيّ: يَحْتَمِل أن يكون إشارةً إلى معنى التشاكل في الخير والشر، والصلاح والفساد، وأن الْخَيِّرَ من الناس يَحِنّ إلى شكله، والشرير نظير ذلك، يميل إلى نظيره، فتعارُف الأرواح يقع بحَسَب الطباع التي جُبلت عليها من خير وشرّ، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت.

ويَحْتَمِل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب، على ما جاء أن الأرواح خُلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي، فتتشامّ فلمّا حَلّت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول، فصار تعارُفها وتناكرها على ما سَبَق من العهد المتقدّم.

وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خُلقت خُلقت على قسمين، ومعنى تقابُلها؛ أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت، أو اختلفت، على حسب ما خُلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف.

قال الحافظ: ولا يعكر عليه أن بعض المتنافِرَين ربما ائتلفا؛ لأنه محمول على مبدأ التلاقي، فإنه يتعلق بأصل الخلقة، بغير سبب، وأما في ثاني الحال فيكون مكتسَبًا؛ لتجدُّد وصْفِ يقتضي الألفة بعد النفرة، كإيمان الكافر، وإحسان المسيء. انتهى (٢).

(فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) التعارف جَرَيَان المعرفة بين اثنين، والتناكر ضدّه؛ أي: فما تعرّف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان (ائْتَلَفَ) بهمزة وصل، ثم


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٨٥.
(٢) "الفتح" ٥/ ٦١٧، كتاب "بدء الخلق" رقم (٣٣٣٦).