للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

همزة ساكنة تُبدل ألفًا في الوصل جوازًا، وتبدل ياءً حال الابتداء وجوبًا؛ أي: حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا، (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا)؛ أي: في عالم الأرواح، (اخْتَلَفَ")؛ أي: في عالم الأشباح، والإفراد والتذكير في الفعلين باعتبار لفظ "ما"، والمراد منه بطريق الأجمال -والله أعلم بحقية الحال- أن الأرواح البشرية مجبولة على مراتب مختلفة، وشواكل متباينة، وكل ما شاكل منها في عالم الأمر في شاكلته تعارفت في عالم الخلق، وائتلفت، واجتمعت، وكل ما كان على غير ذلك في عالم الأمر، تناكرت في عالم الخلق، فاختلفت، وافترقت، فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب، والتشابه، وبالتناكر ما بينهما من التنافر، والتباين، فتارة على وجه الكمال، وتارة على وجه النقصان؛ إذ قد يوجد كل من التعارف والتناكر بأدنى مشاكلة بينهما، إما ظاهرًا، وإما باطنًا، قاله القاري (١).

وقال في "النهاية": قوله: "جنود مجندة أي: مجموعة، كما يقال: ألوفٌ مؤلّفة، وقناطيرُ مقنطرةٌ، ومعناه: الإخبار عن مبدأ كون الأرواح، وتقدمها الأجسادَ؛ أي: أنها خُلقت أول خِلقتها على قسمين، من ائتلاف واختلاف، كالجنود المجندة المجموعة؛ إذا تقابلت، وتواجهت، ومعنى تقابُل الأرواح ما جعلها الله عليها من السعادة والشقاوة، والأخلاق، في مبدأ الخلق، يقول: إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف، وتختلف على حسب ما خُلقت عليه، ولهذا ترى الْخيِّر يحبّ الأخيار، ويميل إليهم، والشِّرِّير يحبّ الأشرار، ويميل إليهم. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: الفاء في قوله: "فما تعارف" للتعقيب، أتبعت المجمل بالتفصيل، فدلّ قوله: "ما تعارف" على تقدّم اشتباك واختلاط في الأزل، ثم تفرّق بعد ذلك فيما لا يزال أزمة متطاولة، ثم ائتلاف بعد التعارف، كمن فَقَد أنيسه، وأليفه، ثم اتّصل به، فلزمه، وأنِسَ به، ودلّ قوله: "وما تناكر" على أن ذلك الفقيد لحق بمن لم يكن له سبق اختلاط معه، فاشمأزّ منه، وفارقه إلى من كان معه في السابق.


(١) "مرقاة المفاتيح" ٨/ ٧٣٣ - ٧٣٤.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٨/ ٧٣٣ - ٧٣٤.