ودلّ تشبيه الأرواح بالجنود المجنّدة على أن ذلك الاجتماع في الأول كان لأمر عظيم، وخَطْب جسيم، من فَتْح بلاد، وقهر أعداء، ودل ذلك على أن أحد الحزبين حزب الله، والآخر حزب الشيطان، فمن تألّف في الأزل بحزب الله فاز وأفلح:{أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: ٢٢]، ومن تألّف بحزب الشيطان خاب وخسر:{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة: ١٩]، ومن عادة الأجناد المتحزّبة أن يسوم كل واحد من أحد الحزبين بعلاقة ترفع التناكر من البَيْن، فمتى شاهدوها ائتلفوا.
فعلى هذا بنى قوله:"فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، فهي تفريع على التشبيه بمنزلة ترشيح الاستعارة، وهذا التعارف إلهامات من الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة، ولا يمنع من هذا التعارف فَصْله بالأباعد والأجانب، ولا تضمّه شجنة الأرحام والأواصر، قال الشاعر: