للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ودلّ تشبيه الأرواح بالجنود المجنّدة على أن ذلك الاجتماع في الأول كان لأمر عظيم، وخَطْب جسيم، من فَتْح بلاد، وقهر أعداء، ودل ذلك على أن أحد الحزبين حزب الله، والآخر حزب الشيطان، فمن تألّف في الأزل بحزب الله فاز وأفلح: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢]، ومن تألّف بحزب الشيطان خاب وخسر: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: ١٩]، ومن عادة الأجناد المتحزّبة أن يسوم كل واحد من أحد الحزبين بعلاقة ترفع التناكر من البَيْن، فمتى شاهدوها ائتلفوا.

فعلى هذا بنى قوله: "فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، فهي تفريع على التشبيه بمنزلة ترشيح الاستعارة، وهذا التعارف إلهامات من الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة، ولا يمنع من هذا التعارف فَصْله بالأباعد والأجانب، ولا تضمّه شجنة الأرحام والأواصر، قال الشاعر:

[من البسيط]:

كَانَتْ مَوَدَّةُ سَلْمَانَ لَهُ نَسَبًا … وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ نُوحِ وَابْنِهِ رَحِمُ

ولم يَحْظَ آل قصيّ به، وحَظِيت به أم معبد قال [من الطويل]:

فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى اللهُ عَنْكُمُ … بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَارَى وَسُودَدِ

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهَا … وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ

ولا يدفعه بُعْدُ الدار، ولا يجمعه قرب الْمَزَار [من الطويل]:

مُنَاسَبَةُ الأَرْوَاحِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا … وَإِلَّا فَأَيْنَ التُّرْكُ مِنْ سَاكِنِي نَجْدِ

قال حكيم: أقرب القُرْب مودة القلب، وإن تباعَد جسم أحدهما من الثاني، وأبعدُ البُعْد تنافر المتداني، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

[تنبيه]: هذا الحديث أخرجه الحافظ أبو يعلى رحمهُ اللهُ في "مسنده" من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وذكر له قصّة، فقال:

(٤٣٨١) - حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا سعيد بن الحكم، حدّثنا يحيى بن أيوب، قال: حدّثني يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: كان


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣١٩٨ - ٣١٩٩.