للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدنيا، (وَيَكْدَحُونَ فِيهِ) تقدّم أنه من مَنَع؛ أي: يسعون، ويجتهدون في تحصيله، (أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ) بالبناء للمفعول؛ أي: قُدّر عليهم في الأزل، (وَمَضَى فِيهِمْ) بالبناء للفاعل؛ أي: نفذ فيهم في هذه الدنيا، وقوله: (مِنْ قَدَرِ) بيان لـ "شيء"، وقوله: (قَدْ سَبَقَ) صفة لـ "قدَر"، (أَو فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ) بالبنَاء للمفعول؛ أي: أو هو في الشيء الذي يُستأنَفُون به، مما يؤمرون به الآن دون سبق تقدير به؟ (مِمَّا أتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟) بتبليغه لهم، (فَقَالَ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ("لَا)؛ أي: ليس عملهم فيما يُستقبلون به الآن، (بَلْ) هو (شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ) أزلًا، (وَمَضَى فِيهِمْ) الآن، (وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ)؛ أي: ما يصدّقه، فـ "تصديق" مبتدأ، خبره قوله: (فِي كتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ({وَنَفسٍ} [الشمس: ٧]) بدل من الخبر، أو "في كتاب الله" متعلِّق بـ "تصديق والخبر قوله: {وَنَفسٍ} [الشمس: ٧] الواو فيه للقَسَم، و {نَفسٍ} [الشمس: ٧] مجرور بالواو؛ أي: أُقسم بنفس، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: {وَنَفسٍ} قَسَم بنفوس بني آدم، وأفردها لأن مراده النوع، وهذا نحو قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)} [الانفطار: ٥]؛ أي: كلّ نفس، كما قال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)} [المدثر: ٣٨]، إلا ترى قوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) أي: حَمَلها على ما أراد من ذلك، فمنها ما خُلق للخير، وأعانها عليه، ويسّره لها، ومنها ما خُلق للشرّ، ويسّره لها، وهو الموافق للحديث المتقدّم المصدّق بالآية (١).

وقوله: ({وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} [الشمس: ٧، ٨] ")؛ أي: أعلمها طاعتها، ومعصيتها، وأفهمها أن أحدهما حسنٌ، والآخر قبيح.

وقال القرطبيّ: {وَمَا سَوَّاهَا}؛ أي: والذي سوّاها، وقد قدمنا أن "ما" في أصلها لِمَا لا يُعقل، وقد تجيء بمعنى الذي، وهي تقع لمن يعقل ولما لا يعقل، والتسوية: التعديل؛ يعني: أنه خلقها مكمّلة بكل ما تحتاج إليه، مُؤهَّلة لقبول الخير والشر، غير أنه يجري عليها في حال وجودها، ومآلها ما سبق لها مما قُضي به عليها. انتهى (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ في "تفسيره": قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) قيل: المعنى: وتسويتها، فـ "ما": مصدريّة، وقيل: المعنى: ومن


(١) "المفهم" ٦/ ٦٦٢ - ٦٦٣.
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٦٣.